«صبح الأعشى» ، وكان أكثر اعتماده عليه في التعريف بالبلاد الشامية وبلدان الجزيرة العربية ومصر ، ولم يعتمد عليه كثيرا في المغرب (اقتصر على ذكر : تونس ، فاس ، سبتة ، مراكش) وافريقية وراء الصحراء (دنقله ـ غانة ـ كوكو ـ تكرور) وأقلّ من ذلك البلاد الاوروبية (القسطنطينية ، رومة ، اقريطش) وأقل الجميع الأندلس ، حيث أشار إشارة عابرة إلى طرطوشة ، وتحدث عن ملوك الاباريين نقلا عما ورد في مادة «أندلس» من الروض. ولا ندري سببا لذلك ، فان جعل الروض المعطار ـ ومؤلفه مغربي ـ أساسا في المعلومات الجغرافية عن مناطق المشرق (الجزيرة العربية ـ الشام ـ مصر) وعدم الاهتمام بمعلوماته عن بلدان المغرب والاندلس يعد عكسا للوضع الصحيح. هل كان القلقشندي يعدّ الحميري مشرقيا؟ ان نسبة «الصنهاجي» لا توجد في مخطوطات الروض المعطار ، ولعلّ القلقشندي ذهب بسبب ذلك إلى هذا التصوّر فظنه مشرقيا. ومن بعده توقف عنده السمهودي (ـ ٩١١) صاحب «وفاء الوفا» في كتابه الموجز الذي لخص فيه مؤلفه الكبير ، فنقل عنه ، مع أنه ليس لدى صاحب الروض ـ فيما يتصل بالمدينة ـ مادة يستقل بها ، وأكثرها مأخوذ عن البكري ، وقد كان البكري من مصادر السمهودي ، بحيث يغنيه عن الروض المعطار. وفي القرن الحادي عشر ظلّ الكتاب موضع اهتمام ، فنجد المقري يعرفه وينقل عنه خبر وقعة الزلاقة (١) ؛ ثم نجد محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي (ـ ١٢٣٩) ينقل عنه كثيرا في رحلته ، مع إدراكه تمام الإدراك بأن الحميري «لم يكن معه تحقيق في أخبار الأقطار وإنما [ينقل] من غيره ، ولم يجل في الأمصار» (٢) ، وآخر من نجده يعرف الروض المعطار معرفة وثيقة هو صاحب الترجمانة الكبرى ، أبو القاسم الزياني المتوفى سنة ١٢٤٩.
ويبدو أن التوجه إلى النقل عن الروض إنما تمّ لسهولة الحصول على نسخ منه ، ولما فيه من الترتيب المعجمي الذي لا يتوفر في كتاب مؤلف على الأقاليم ؛ وإلا فإن بعض ما أخذ عليه إنما كان نقلا عن المصادر المبكرة ، وخاصة ما أخذه عن البكري ؛ والبكري ممن وقع في أخطاء عديدة في كتابيه معجم ما استعجم والمسالك ؛ ورغم الاحترام الوافر الذي يكنّه العبدري له فإنه تعقب بعض أخطائه في رحلته ، كقول البكري ان ايليا تحيط بها الجبال وأنها هي في نشز من الأرض ؛ وأن قصر لجم (الأجم في الروض) في دوره نحو من ميل ، بينما هو أصغر من ذلك بكثير ، وقوله في سرت انها مدينة كبيرة على ساحل البحر بها حمام وأسواق ولها بساتين ونخل ، وإنما هي قصيّر صغير لا نخل حوله أبدا ؛ وقوله في نفيس انها مدينة في المغرب بينها وبين البحر مسيرة يوم ، وإنما نفيس اسم نهر ؛ وقوله في تادمكة أن تاد تعني الهيئة ، وليس الأمر كذلك بل إن «تاد» تعني
__________________
(١) من أطرف ضروب الاهتمام بالروض المعطار في عصر المقري ما صنعه أحمد بابا التنبكتي صاحب نيل الابتهاج بتطريز الديباج ، فقد استعار نسخة منه مكتوبة بخط مشرقي عتيق صحيح كانت في حوزة الفقيه محمد بن ابراهيم التمجروتي الدرعي سنة ١٠١٦ ، وغادر المغرب إلى تنبكت ، وظلت النسخة معه خمسة عشر عاما ، وصاحبها يكاتبه مطالبا بردها ، وأخيرا أرسل اليه سنة ١٠٣١ نسخة منقولة عنها (انظر مقدمة بروفنسال : ١١).
(٢) رحلة الناصري ، الورقة : ٢١٥