الموحدين في المغرب والأندلس ، وأخبار الغزو التتري لمدن المشرق. ولا ريب أن مصدر النوع الأول من الأخبار مغربي ، وإن لم تسمح مصادرنا بتعيينه ، وكذلك لم أستطع تعيين المصدر الذي استمد منه أخباره عن التتر. ولديه اهتمام بارز أيضا بغزوات محمود الغزنوي في الهند ، أما مصدره عنها فغير معروف أيضا. ومن السهل أن يقطع المرء بأن لقاءه بالعذري إنما تمّ عن طريق البكري ، ولكن ليس من السهل أن نؤكد إن كانت كلّ مقتبساته عن مؤلفات المسعودي (مروج الذهب والتنبيه والاشراف وأخبار الزمان) قد جاءت أيضا عن تلك الطريق ـ أعني من خلال البكري ، وإن كانت نقوله عن مروج الذهب ـ في الأخبار التاريخية لا في الحديث عن البحار والجزر وما فيها من عجائب ـ توحي لدى المقارنة بأنها مأخوذة رأسا ـ لا بالواسطة ـ عن ذلك الكتاب ـ فأما فيما يتعلق بالحديث عن عجائب البحار وعن بعض الجزر وما إلى ذلك ، فإنها مأخوذة عن المسالك والممالك للبكري الذي يعتمد كثيرا على أخبار الزمان ومروج الذهب.
وأما مصادره الأدبية والمتعلقة بالتراجم فتشمل الأغاني وكتابا لابن سعيد الأندلسي لعلّه «المشرق في حلى المشرق» وبعض الدواوين الشعرية ، وبخاصة ديوان أبي العلاء المعري مشروحا ، وديوان الأعمى التطيلي أو على الأقل قصيدته التي مطلعها «قفا حدثاني عن فل وفلان» ، ومقصورة ابن دريد (مشروحة) ، فأما معرفته بشعر بعض شعراء القرن السابع كابن الابار وابن عربية وابن مجبر أو برسائل بعض أدباء ذلك القرن مثل أبي المطرف ابن عميرة ، فإنها تعتمد في أغلب الظن على المصدر التاريخي ـ أو المصادر التاريخية التي ينقل عنها ـ أكثر من الاعتماد على دواوين هؤلاء الشعراء أو مجموعات رسائلهم.
وقد كشف في مادة «صفّين» عن نوع آخر من المصادر لا ينتمي إلى الأنواع الثلاثة السابقة ، فهو ينقل عن كتاب الامامة لعبد القاهر البغدادي ، وعن القاضي أبي بكر ابن الطيب الباقلاني ، وربما عن غير هذين أيضا ، كما أشار إلى «الرياض النضرة» للمحب الطبري إشارة عارف به.
ومن الممكن أن يتساءل المرء : هل ظهرت ثقافة ابن عبد المنعم الامام في الحديث واللغة والنحو في هذا الكتاب ؛ والجواب على هذا أنها لم تظهر مستقلة ، أي أن المؤلف لم يحاول أن يؤكد لنفسه دورا واضحا في هذه الثقافات ، وإنما ظهرت في بعض المواقف وجاءت من طبيعة المناسبة ، فهو ينقل عن صحيح مسلم والبخاري وسنن النسائي وكتاب الطبراني ، أو يشير اليها ، ولكن في كثير من الأحيان نجد إشارته إلى الحديث أو إيراده له اتباعا للبكري ، مع ميله للاختصار الشديد في الاسناد ، وكثيرا ما يكون الضبط اللغوي أو القاعدة النحوية نقلا عن مصدر جغرافي سابق بل ربما قلنا ان ابن عبد المنعم يحاول أن يقلل من الضبط قدر المستطاع ، طلبا للايجاز ، أو ضيقا بالتدقيق في التفصيلات.
٤ ـ أثر الكتاب وقيمته :
لا أعرف أحدا اعتمد الروض المعطار مصدرا قبل القلقشندي (ـ ٨٢١) في كتابه