يراه في المخطوط الذي لديه ، دون أن يستطيع تمييز الخطأ من الصواب ؛ فلم تضعف لديه الدقة الجغرافية لهذا وحده ، بل لأنه أيضا كان يحاول أن يتجنب في السياق ذكر أسماء الأماكن والأنهار لئلا يقع في الخطأ ، وكثيرا ما نجده إذا أعياه قراءة اسم شخص أو اسم بلدة وضع بدله «فلان» و «فلانة» ولا أظن أن هذا كان من عمل النساخ.
٣ ـ مصادر الكتاب :
لا يصرّح الحميري باسم المصدر الذي ينقل عنه إلا في القليل النادر ، وإذا انتقل من اقتباس إلى آخر ، ابتدأ بلفظة تعميمية هي : «قالوا» ؛ ومصادره متنوعة وإن لم تكن كثيرة ، فهي جغرافية وتاريخية وأدبية.
ويبدو أنه كان يجهل المصادر الجغرافية المشرقية ، وكلّ ما عنده من نقول عن كتاب البلدان لليعقوبي ربما كان بالواسطة ؛ إلا أنه لا يعرف ـ قطعا ـ ابن حوقل والاصطخري والمقدسي ومعجم ياقوت ؛ ولهذا اقتصر في باب المعلومات الجغرافية على المصادر المغربية ، ورغم تهوينه من شأن نزهة المشتاق للادريسي ، سيطر هذا الكتاب على معجمه سيطرة بالغة ، حتى ان كثيرا من الموادّ لا تعدو أن تكون إعادة لما قاله الادريسي. ومثل هذا موقفه من البكري ، فقد اعتمد بإسراف على كتابيه «معجم ما استعجم» و «المسالك والممالك» ، غير أنه في كثير من الأحيان يرتاح إلى كتاب «الاستبصار في عجائب الأمصار» إذا وجده يلتقي مع البكري في الحديث عن بلد واحد ، وكثيرا ما ينقل عن الكتابين في المادة الواحدة ، وبعد هذه المؤلفات الأربعة تجيء رحلة ابن جبير ، غير أن الحميري لم يذكر مؤلف هذه الرحلة أبدا ، وإنما أشار إليه مرة بقوله : قال بعضهم ، ومرة ثانية بأنه أحد الأدباء.
أما المصادر التاريخية فلم تقتصر على مؤلفات المغاربة ، وإن كانت هذه كلما تيسرت الافادة منها أقرب إلى الحميري ، فقد أبدى في كثير من موادّ كتابه اطلاعا على سيرة ابن اسحاق كما هذّبها ابن هشام ، وقد يلتقي في أخبار الفتوح مع تاريخ الطبري ـ على نحو حرفي أحيانا ـ ، وكذلك مع كتاب فتوح الشام لمحمد بن عبد الله الأزدي البصري ولكني أعتقد أن مصدره المباشر هو كتاب المغازي لعبد الرحمن بن حبيش (ـ ٥٨٤) (١) ، كما أن مصدره عن تباشير البعثة النبوية وعن حروب الردة لمؤلف مغربي أيضا ، وهو كتاب الاكتفاء في مغازي الرسول والثلاثة الخلفاء» لأبي الربيع الكلاعي. وهو مغرم بأخبار القرن السابع ، وعلى وجه الخصوص بأخبار
__________________
(١) ترجمته في التكملة لابن الابار (رقم : ١٦١٧) والعبر للذهبي ٤ : ٢٥٢ وشذرات الذهب ٤ : ٢٨٠ وكتابه في المغازي وصف بأنه عدة مجلدات ، وأن الناس كتبوه وتداولوه ؛ ولم اطلع على هذا الكتاب ولكني وجدت لدى مقارنة نقول الروض بالطبري أنها أقرب إلى ما يرمز إليه محققو تاريخ الطبري ب (I.H). وعند الاستقراء وجدت أن هذا الرمز يعني ، نسخة ليدن من تاريخ ابن حبيش ، ورقمها ٣٤٣.