وبمضى الزمن أصبحت الإجازات العلمية ونظم الدارسين ورحلات الوافدين تسير وفقا لتقاليد علمية ملزمة ، لها صفة الاستقلال عن السياسة وقوة الإلزام بالنسبة للمشتغلين بالعلم تحصيلا وتدريسا وتصنيفا ، ونعتقد أن السرّ في نجاحها أنها لم تخضع في يوم ما لإشراف حكومى. هذا هو الحال في الحقبة المعاصرة لعمالقة الثقافة والعلوم الإسلامية ، وهو نظام صارم لم تعرفه أية جامعة حتى يومنا هذا ، ويكفى أنه أغلق الباب أمام كل مدع للعلم.
ومن متابعة مراكز الثقافة الإسلامية في المشرق العباسى ، نلاحظ تعدد هذه المراكز مع غزارة إنتاج بعضها إلى درجة دفعت المؤرخين المتخصصين في تاريخ البلدان إلى إفراد علماء وأدباء هذه المراكز بالترجمة.
ومن أهم المراكز الثقافية في هذه المنطقة ـ مع مراعاة توزيعها الإقليمى ـ :
* ما وراء النهر : ويشمل نواحى خوارزم والصغد وفرغانة وطخارستان. ومن المدن ذات الشهرة العلمية في هذا القسم :
بخارى وسمرقند والشاش وكش ونسف وفاراب.
* خراسان : ومن المدن ذات الشهرة العلمية في هذا القسم :
نيسابور ، مرو ، طوس ، سرخس ، أبيورد ، نسا ، بلخ ، هراة.
* بلاد الجبال : ومن المدن ذات الشهرة العلمية في هذا القسم :
الرى ، قزوين ، أبهر ، زنجان ، شهرزور ، أصفهان ، دينور.
* طبرستان : وتقع جنوبى بحر طبرستان (قزوين) ما بين جرجان شرقا وأذربيجان غربا (وهى الآن إقليم مازندران الإيرانى).
ومن مراكزها : آمل (عامل) ، الدامغان.
* فارس : ومن المدن ذات الشهرة العلمية :
شيراز ، كازرون.
هذا ولم تكن كرمان بارزة بين هذه المراكز ، ولاحظ المقدسى عند زيارته لها : ضآلة علم (مذكّريها) يعنى بذلك الوعاظ والمرشدين الدينيين.
فكان على طلاب العلم في كرمان أن يقصدوا فارس ثم خراسان أو العراق أو هما معا.
دور العلم :
لا يمكن فصل تاريخ التربية والتعليم عند الشعوب الإسلامية عن الجوامع والمساجد التى كانت العمود الفقرى للحياة العلمية والثقافية حتى بعد تأسيس المدارس بزمن طويل.