ولا نسلم لياقوت أن الكرمانى لم يفارق وطنه ولا رحل ، إذ هناك ما يؤكد رحلته إلى بلاد فارس وخراسان والجبال ، وأخذه عن علماء هذه الجهات هذا وقد جرت العادة برحلة النابهين فى طلاب العلم والعلماء بقصد الاستزادة فى المادة العلمية ، والتبحر فى التخصص على يد أئمتها ويؤكد رحلته ما يلى :
* إن كرمان ـ كما مر بنا ـ لا تتوافر فيها الشروط العلمية الكافية لتخريج أمثال الكرمانى وهو الذى تشير حليته ـ كما تشير مصنفاته ـ إلى علو كعبه فى تخصصه بين أقرانه.
وقد حلاه الإمام نصر بن على الشيرازى فى سند كتاب (البرهان) (١) بقوله : الإمام تاج القراء. وفى مقدمة كتاب (لباب التفاسير) (٢) نجد أن حليته هى «الإمام برهان الدين سعد الإسلام تاج القراء رئيس الأئمة زين الفريقين».
* إن بعض المصادر التى رجع إليها الكرمانى من بينها مطولات حديثة العهد لم تتيسر لها المدة الكافية للانتشار بنسخها وتداولها فى العواصم الثقافية ، مما يؤكد أن الكرمانى قد اطلع عليها فى أماكن صدورها.
* اتصال أسانيد الكرمانى المباشرة بأئمة من هذه الجهات :
فمثلا يسوق لنا إسناده إلى الإمام الثعلبى (٣) عن طريق اثنين من علماء نيسابور فيقول فى (لباب التفاسير) عند ذكر أسماء سورة الفاتحة : «لهذه السورة فيما حدثنا به أبو سهل محمد بن عبد الرحمن بن أبى الفضل النيسابورى عن الواحدى (٤) عن الثعلبى : عشرة أسماء» (٥). ولا يعقل أن الذين روى عنهم الكرمانى قد رحلوا إليه فى كرمان ثم عادوا إلى نيسابور. كذلك نجده يحكى لنا قول الخطيب عن طريق أبى مسلم الأصفهانى (٦).
* إن تخصص الكرمانى الدقيق هو علوم القراءات ولا يمكن إتقان القراءات إلا عن طريق التلقى عن كبار الأئمة المتخصصين ، ولا يستطيع من تخصص فى هذا المجال أن يستغنى عن هذا التلقى ، ولو اطلع على جميع المؤلفات المصنّفة فى هذا الفن ، ولا يتم
__________________
٢ / ٢٩١ ، وبغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة ٢ / ٢٧٧ للإمام السيوطى (ت ٩١١ ه) ، وطبقات المفسرين للإمام الداودى (ت ٩٤٥ ه) ٢ / ٣١٢ ، وكشف الظنون : ١٣١ ، ٢١٣ ، ٢٤١ ، ١١٢٦ ، ١١٩٧ ، ١٥٤١ ، ١٥٦٢ ط اسطنبول ١٣٦٠ ه.
(١) كتاب «البرهان» نسختا حليم وقوله.
(٢) «لباب التفاسير» للكرمانى وجه ١ / ب وسيأتى تعريفه عند عدّ مصنفاته.
(٣) الإمام أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابورى (ت ٤٢٧ ه).
(٤) الإمام على بن أحمد الواحدى النيسابورى (ت ٤٦٨ ه).
(٥) لباب التفاسير : ١ / ب.
(٦) يقصد أبا مسلم محمد بن على الأصفهانى المعتزلى (٣٩٦ ـ ٤٥٩ ه) ، أما إذا أراد أبا مسلم محمد بن بحر الأصفهانى المعتزلى (ت ٣٢٢ ه) فإنه يشير إليه بقوله : (ابن بحر) للتفرقة بينهما.