ومن هذه الصورة يتبين أن أقرب العمران إلى كرمان يقع فيما يليها من ناحية ولاية فارس في الغرب ، وفيما عدا ذلك فإنها تكاد تكون محاطة بالجبال والصحارى في الشمال والشرق والجنوب. وتروى أراضيها الأنهار والجداول التى تنبع من سلاسل الجبال التى تخترقها من الشمال الغربى إلى الجنوب الشرقى. وتشتهر كرمان بجودة تمورها حتى شبهت بالبصرة في كثرة التمر وجودته.
قال المقدسى : «وربما وجد التمر في مواضع مثل منوقان وما في معناها : مائة منّ (١) بدرهم أو تحمل التمور لبيعها في خراسان فيقصدها كل سنة مائة ألف جمل» (٢).
وتشتهر بعض نواحيها مثل (بم) بصناعة أجود الثياب. وعاصمة الولاية تارة مدينة السّيرجان ، وتارة مدينة كرمان التى تتميز بوقوعها في ملتقى طرق القوافل مما جعلها مركزا تجاريا هاما.
وكانت ناحية كرمان من حيث الإدارة تارة تضاف إلى أعمال خراسان أو إلى أعمال فارس. وتارة تكون ولاية قائمة بذاتها كما حدث في الوقت الذى ندرسه ما بين (٤٥٠ :
٥٥٠ ه).
الأحوال السياسية والدينية والثقافية للقسم العجمى
من بلدان الخلافة العباسية خلال القرن الممتد ما بين (٤٥٠ : ٥٥٠ ه)
ونعنى بالقسم العجمى : البلدان الإسلامية التى تظلها الخلافة العباسية ، ما بين العراق غربا وبلاد ما وراء النهر شرقا ، وتقطن هذه المنطقة شعوب لغاتها الوطنية ليست عربية.
١ ـ الأحوال السياسية :
كانت سيطرة البويهيين (٣٣٤ ـ ٤٤٧ ه) على الخلافة العباسية إيذانا بدخول هذه الخلافة في مرحلتها الثانية من مراحل أفولها : ذلك لأن البويهيين ـ وأصلهم من الديلم (٣) ـ سخّروا الخلافة لخدمة مصالحهم ولم يسخروا الأسباب لخدمة الخلافة. وزاد في وقدة الخلاف بينهم وبين الخلافة أنهم كانوا من الشيعة ولذا ازدهر المذهب الشيعى في عهدهم ، وتحكم أهله في أهل السنة ، كما ازدهر الاعتزال في عصر البويهيين لما بينه وبين المذهب الشيعى من وشائج. ومنذ البداية نجد أن البويهيين يتجهون إلى تجريد الخلفاء من كل سلطة ، بل
__________________
(١) المن الرطل ، وقد حرر الإمام النووى الرطل بمقدار ٤ / ٧ ١٢٨ درهم من دراهم زمانه (ق ٧ ه).
(٢) المقدسى : أحسن التقاسيم ص ٤٦٩.
(٣) بلاد الديلم أو جيلان تقع جنوب غرب بحر الخزر (ويسمى أيضا بحر طبرستان أو بحر جرجان) وهو بحر قزوين حاليا. وتمتد بلاد الديلم ما بين طبرستان وأذربيجان وعاصمتها روذبار.