ولم يتورعوا عن التعدى على أشخاصهم كما فعل كبيرهم (معز الدولة بن بويه) (٣٣٤ ـ ٣٥٦ ه) حين اختلف مع الخليفة العباسى المستكفى ؛ إذ خلعه (سنة ٣٣٤ ه) ، وسمل عينيه (١) وأسند الخلافة إلى المطيع!! وعامله معاملة الخدم ، ورتب له إقطاعات يسيرة يعيش هو وحاشيته على إيرادها ـ وبعد وفاة معز الدولة (سنة ٣٥٦ ه) تولى السلطنة من بعده عز الدولة بختيار (٣٥٦ ـ ٣٦٧ ه) الذى عزل الخليفة المطيع (سنة ٣٦٣ ه) وولى مكانه الطائع (٣٦٣ ـ ٣٨١ ه).
ولو لا أن البويهيين كانوا يدكون تمام الإدراك أن ضعف الخلافة العباسية أنفع لهم من القضاء عليها لأطاحوا بها وأسسوا خلافة شيعية.
وقد انعكست آثار هذه الفوضى على الحياة العسكرية ؛ إذ اتجه ولاء الجيش لا إلى الدولة ولكن إلى العصبية ، فتعصّب البعض للديلم وناصروا البويهيين ، وتعصب الآخر للأتراك ورأوا أنهم أحق بالسلطة من الديلم ، وحين رجحت كفة الأتراك عاملوا البويهيين بنفس المعاملة التى عاملوا بها الخلفاء ، ومنذ تدخل الجيش في الشئون الداخلية دخلت الخلافة ومعها الدولة في غرفة الإنعاش ، ولم يخرجا منها إلا لظهور قوتين جديدتين في التاريخ الإسلامى كان لهما أبعد الأثر في الحقلين السياسى والدينى ، بل في التاريخ الإسلامى كله في ذلك الوقت هاتان القوتان هما :
قيام الدولة الغزنوية (٢) (٣٦٦ ـ ٥٨٢ ه) :
فقد مهد قيام هذه الدولة للقضاء على البويهيين ؛ إذ قام أقوى سلاطينها الفاتح محمود الغزنوى (٣٨٨ ه ـ ٤٢١ ه) بطرد السامانيين من خراسان (سنة ٣٨٩ ه) ، ثم قضى على البويهيين في الرى والجبال (٣) ، ولو لا أن فتوحات هذه الدولة الفتية قد اتجهت مشرقة نحو الهند لكان للغزنويين شأن آخر مع البويهيين.
استفادت الخلافة العباسية من الغزنويين في حماية خراسان من غارات الغزّ التركمان الذين لم يكفوا عن الغارة عليها حتى وقعت أخيرا تحت حكم السلاجقة ـ ومن ناحية أخرى قام الغزنويون بتمشيط الولايات الخاضعة لنفوذهم من خصوم الخلافة من أهل الفرق مثل الرافضة والإسماعيلية ، ولم يكتف السلطان محمود الغزنوى بالتنكيل بهؤلاء ، بل وأمر بلعنهم على المنابر.
__________________
(١) أى فقأهما : وهى عقوبة اعتادها التتر ومن والاهم من الشعوب.
(٢) أسسها سبكتكين صهر أمير غزنة وامتد حكمه من (٣٦٦) إلى (٣٨٧ ه) ، واتخذ غزنة مقرا للدولة وتقع جنوب كابول عاصمة الأفغان حاليا.
(٣) تقع بلاد الجبال جنوبى أذربيجان (غرب بحر طبرستان) وتشمل ما يسمى بالعراق العجمى في ذلك الوقت ومن مدن هذا الإقليم شهرزور ، همدان ، أصبهان.