سبحان الله مقلب القلوب (١). ففطن زيد ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي فى طلاقها فإن فيها كبرا ، تعظم على وتؤذيني بلسانها ، فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : أمسك عليك زوجك واتق الله ، ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَإِذْ تَقُولُ) يا محمد (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإسلام (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق وكان زيد أعرابيا فى الجاهلية مولى فى الإسلام فسبى فأصابه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأعتقه (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي
__________________
(١) جاء فى كتاب حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل ، الفصل السابع عشر تحت عنوان «أزواج النبي» : ٣١٨ ، ٣١٩. «إن المبشرين والمستشرقين أطلقوا لخيالهم العنان فى تصوير الهوى الذي لعب بقلب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين رأى زينب ممددة على فراشها فى ثياب نومها فعصف منظرها بقلبه. وأمثال هذه الصورة التي أبدعها الخيال الكثير. تراه فى موير وفى دو منجم وفى واشنطن أرفنج وفى لا منس وغيرهم من المستشرقين والمبشرين.
ومما يدعو إلى أشد الأسف أن هؤلاء جميعا اعتمدوا فى روايتهم على ما ورد فى بعض كتب السيرة والكثير من الحديث ، ثم أقاموا على ما صوروا قصورا من الخيال فى شأن محمد وصلته بالمرأة ......
والنبي لم يكن كما صور هؤلاء وأولئك ، رجلا يأخذ بعقله الهوى وهو لم يتزوج من تزوج من نسائه بدافع من شهوة أو غرام ، وإذا كان بعض الكتاب المسلمين فى بعض العصور قد أباحوا لأنفسهم أن يقولوا هذا القول ، وأن يقدموا خصوم الإسلام عن حسن نية هذه الحجة فذلك لأنهم انحدر بهم التقليد إلى المادية فأرادوا أن يصوروا محمدا عظيما فى كل شيء ، عظيما حتى فى شهوات الدنيا ، وهذا تصوير خاطئ ينكره تاريخ محمد أشد إنكار. وتأبى حياته كلها أن تقره.
فالنبي قد تزوج خديجة وهو فى الثالثة والعشرين من عمره وهو فى شرخ الصبا وريعان الفتوة ومع ذلك ظلت خديجة وحدها زوجة ثمانيا وعشرين سنة حتى تخطى الخمسين.
فمن غير الطبيعي أن تراه وقد تخطى الخمسين ينقلب فجأة هذا الانقلاب الذي يجعله ما يكاد يرى زينب بنت جحش ، وعنده نساء خمس غيرها ، حتى يفتن بها وحتى تستغرق تفكيره ليله ونهاره ...
إنها صورة لا تلبق فى ضعتها برجل مادي ، عظيم استطاعت رسالته أن تنقل العالم وأن تغير مجرى التاريخ ، وما تزال على استعداد لأن تنقل العالم مرة أخرى وتفسير مجرى التاريخ طورا جديد».