وممّا تقدم نفهم لماذا ابتدأت سورة الحمد بعبارة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ).
«الحمد» في اللغة : الثناء على عمل أو صفة طيبة مكتسبة عن اختيار ، أي حينما يؤدّي شخص عملاً طيّباً عن وعي ، أو يكتسب عن اختيار صفة تؤهله لأعمال الخير فإنّنا نحمده ونثني عليه. ولو علمنا أنّ الألف واللام في (الحمد) هي لاستغراق الجنس ، لعلمنا أنّ كل حمد وثناء يختص بالله سبحانه دون سواه.
فثناؤنا على الآخرين ينطلق من ثنائنا عليه تعالى ، لأنّ مواهب الواهبين كالأنبياء في هدايتهم للبشر ، والمعلمين في تعليمهم ، والكرماء في بذلهم وعطائهم ، والأطباء في علاجهم للمرضى وتطبيبهم للمصابين ، إنّما هي في الأصل من ذاته المقدسة.
وهكذا الشمس حين تغدق علينا بأشعتها ، والسحب بأمطارها ، والأرض ببركاتها ، كل ذلك منه سبحانه ، ولذلك فكل الحمد له.
جدير بالذكر أنّ الحمد ليس بداية كل عمل فحسب ، بل هو نهاية كل عمل أيضاً كما يعلمنا القرآن. يقول سبحانه في الآية (١٠) من سورة يونس عن أهل الجنة : (دَعْوَيهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلمٌ وَءَاخِرُ دَعْوَيهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ).
أمّا كلمة «ربّ» : فهي في الأصل بمعنى مالك وصاحب الشيء الذي يهتم بتربيته واصلاحه. وكلمة «عالمين» : جمع «عالم» والعالم : مجموعة من الموجودات المختلفة وحين تجمع بصيغة «عالمين» فيقصد منها كل مجموعات هذا العالم.
وفي تفسير نور الثقلين عن الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام في تفسير «ربّ العالمين» قال : «ربّ العالمين وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات».
(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣)
إنّ صفتي «الرّحمن» و «الرّحيم» تتكرران في البسملة والحمد ، «والملتزمون» بذكر البسملة في السورة يكررون هاتين الصفتين في صلواتهم اليومية الواجبة ثلاثين مرّة ، وكذلك في الحمد وبذلك يصفون الله برحمته ستين مرّة يومياً. وهذا في الواقع درس لكل جماعة بشرية سائرة على طريق الله ، وتواقة للتخلق بأخلاق الله ، أنّه درس يبعد البشرية عن تلك الحالات التي شهدها تاريخ الرق في ظل القياصرة والأكاسرة والفراعنة.