(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٨٠)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قيل : إنّ رجلاً قال : يا رسول الله! يسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك؟ قال : «لا ينبغي أن يُسجد لأحد من دون الله ، ولكن اكرموا نبيّكم ، واعرفوا الحق لأهله». فأنزل الله تعالى الآية.
التّفسير
سبق أن قلنا إنّ واحدة من عادات أهل الكتاب القبيحة ـ اليهود والنصارى ـ كانت تزييف الحقائق ، من ذلك قولهم بالوهية عيسى ، زاعمين أنّه هو الذي أمرهم بذلك ، وكان هذا ما يريد بعضهم أن يحققه بشأن رسول الأكرم أيضاً ، للأسباب التي ذكرناها في نزول الآية.
إنّ الآية ردّ حاسم على جميع الذين كانوا يقترحون عبادة الأنبياء. تقول الآية : ليس لكم أن تعبدوا نبي الخاتم ولا أيّ نبي آخر ولا الملائكة ، ويخطىء من يقول إنّ عيسى قد دعاهم إلى عبادته. (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّى مِن دُونِ اللهِ).
الآية تنفي نفياً مطلقاً هذا الأمر ، أي أنّ الذين أرسلهم الله وآتاهم العلم والحكمة لا يمكن ـ في أيّة مرحلة من المراحل ـ أن يتعدّوا حدود العبودية لله ، بل إنّ رسل الله هم أسرع خضوعاً له من سائر الناس ، لذلك فهم لا يمكن أن يخرجوا عن طريق العبودية والتوحيد ويجرّوا الناس إلى هوة الشرك.
(وَلكِن كُونُوا رَبَّانِيّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ).
«الربّاني» : هو الذي أحكم إرتباطه بالله ، ولمّا كانت الكلمة مشتقة من «ربّ» فهي تطلق أيضاً على من يقوم بتربية الآخرين وتدبير امورهم وإصلاحهم. وعلى هذا يكون المراد من