ومن شأنه تقوية أواصر الودّ والمحبة والعلاقة القلبية وكسب العواطف إذ يقول : (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيًا مَّرِيًا). أي : لو تنازلت الزوجة عن شيء من المهر ووهبته للزوج عن طيب نفسها جاز للزوج أكل الموهوب له ، وإنّما أقرّ الإسلام هذا المبدأ لكيلا تكون البيئة العائلية والحياة الزوجية ميداناً لسلسلة من القوانين والمقررات الجافة ، بل يكون مسرحاً للتلاقي العاطفي الإنساني ، وتسود في هذه الحياة المحبة جنباً إلى جنب مع المقررات والأحكام الحقوقية المذكورة.
الصّداق دعامة إجتماعية للمرأة : لما كانت المرأة ـ في العصر الجاهلي ـ لم تحظ بأية قيمة أو مكانة كان الرجل إذا تزوج امرأة ترك أمر صداقها ـ الذي هو حقها المسلم ـ إلى أوليائها ، فكان أولياؤها يأخذون صداقها ، ويعتبرونه حقّاً مسلماً لهم لا لها ، وربّما جعلوا التزوج بامرأة صداقاً لإمرأة اخرى ، مثل أن يزوج الرجل أخته بشخص على أن يزوج ذلك الشخص أخته بذلك الرجل ، وكان هذا هو صداق الزوجتين.
ولقد أبطل الإسلام كل هذه التقاليد والأعراف الظالمة ، واعتبر الصداق حقّاً مسلماً خاصاً بالمرأة ، وأوصى الرجال مرّات عديدة وفي آيات الكتاب العزيز برعاية هذا الحق للمرأة.
وأمّا تفسير البعض لمسألة المهر بنحو خاطىء ، واعتبار الصداق أنّه من قبيل ثمن المرأة فلا يرتبط بالقوانين الإسلامية ، لأنّ الإسلام لا يعطي للصداق الذي يقدمه الرجل إلى المرأة صفة الثمن كما لا يعطي المرأة صفة البضاعة القابلة للبيع والشراء ، وأفضل دليل على ذلك هو صيغة عقد الزواج الذي يعتبر فيه الرجل والمرأة كركنين أساسيين في الرابطة الزوجية ، في حين يقع الصداق والمهر على هامش هذا العقد ، ويعتبر أمراً إضافياً ، بدليل صحّة العقد إذا لم يرد اسم المهر فيه ، وليس كذلك في صيغة البيع والشراء وغير ذلك من المعاملات المالية إذ بدون ذكر الثمن تبطل هذه المعاملات.
من كل ما قيل نستنتج أنّ المهر بمثابة جبران للخسارة اللاحقة بالمرأة ، وبمثابة الدعامة القوية التي تساعد على احترام حقوق المرأة ، لا أنّه ثمن المرأة ، ولعل التعبير بالنّحلة التي هي بمعنى العطية في الآية إشارة إلى هذه النقطة.