فبلغ الفهري الرسالة فأعطوه الدية فلما انصرف ومعه الفهري وسوس إليه الشيطان فقال : ما صنعت شيئاً ، أخذت دية أخيك فيكون سُبَّة (١) عليك! اقتل الذي معك لتكون نفس بنفس والدّية فضل. فرماه بصخرة فقتله ، وركب بعيراً ورجع إلى مكة كافراً. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : «لا أؤمنه في حلّ ولا حرم»! فقتل يوم الفتح.
التّفسير
عقوبة القتل العمد : لقد بيّنت الآية السابقة عقوبة ـ أو غرامة ـ القتل الناتج عن الخطأ ، وجاءت الآية الأخيرة عقوبة القتل عن عمد وسبق إصرار ، في حالة إذا كان القتيل من المؤمنين ، وبما أنّ جريمة قتل الإنسان من أعظم وأكبر الجرائم وأخطر الذنوب ، وأنّ التهاون في مكافحة مثل هذه الجريمة يهدد أمن المجتمع وسلامة أفراده ، الأمن الذي يعتبر من أهم متطلبات المجتمع السليم ، لذلك فإنّ القرآن الكريم قد تناول هذه القضية في آيات مختلفة بأهمية بالغة ، حتى أنّه اعتبر قتل النفس الواحدة قتلاً للناس جميعاً ، إلّاأن يكون القتل عقاباً لقتل مثله أو عقاباً لجريمة الإفساد في الأرض حيث يقول القرآن في الآية (٣٢) من سورة المائدة : (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).
وقد قررت الآية ـ موضوع البحث ـ أربع عقوبات اخروية لمرتكب القتل العمد ، وعقوبة اخرى دنيوية هي القصاص ، والعقوبات الأخروية هي :
١ ـ الخلود والبقاء الأبدي في نار جهنم ، حيث تقول الآية : (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا).
٢ ـ احاطة غضب الله وسخطه بالقاتل : (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ).
٣ ـ الحرمان من رحمة الله : «وَلَعَنَهُ».
٤ ـ العذاب العظيم الذي ينتظره يوم القيامة : (وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٩٤)
__________________
(١) سبة (بالضم) : العار.