سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قال أبو حمزة الثمالي : بلغنا أنّ المشركين يوم بدر ، لم يخلفوا إذ خرجوا احداً ، إلّاصبياً أو شيخاً كبيراً أو مريضاً. فخرج معهم ناس ممن تكلم بالإسلام فلما التقى المشركون ورسول الله نظر الذين كانوا قد تكلّموا بالإسلام إلى قلّة المسلمين فارتابوا واصيبوا فيمن اصيب من المشركين ، فنزلت فيهم الآية.
التّفسير
تعقيباً للبحوث الخاصة بالجهاد ، تشير الآيات الثلاث الأخيرة إلى المصير الأسود الذي كان من نصيب اولئك الذين ادعوا الإسلام ولكنهم رفضوا أن يطبقوا خطة الإسلام في الهجرة. فالقرآن الكريم يذكر كيف أنّ الملائكة لدى قبضهم لأرواح هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم ، يسألونهم عن حالهم في الدنيا وأنّهم لو كانوا حقاً من المسلمين ، فلماذا اشتركوا في صفوف المشركين لقتال المسلمين : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفهُمُ الْمَلِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ). فيجيب هؤلاء بأنّهم تعرضوا في مواطنهم للضغط وأنّ ذلك أعجزهم عن تنفيذ الأمر الإلهي (قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الْأَرْضِ).
لكن عذرهم هذا لم يقبل منهم ، إذ يرد الملائكة عليهم قائلين : لماذا لم تتركوا موطن الشرك وتنجوا بأنفسكم من الظلم ، والكبت عن طريق الهجرة إلى أرض غير أرضكم من أرض الله الواسعة ، (قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا).
وفي النهاية تشير الآية إلى مصير هؤلاء ، فتقول بأنّ الذين امتنعوا عن الهجرة لأسباب واهية أو لمصالحهم الشخصية ، وقرروا البقاء في محيط ملوث وفضلوا الكبت والقمع على الهجرة فإنّ مكان هؤلاء سيكون في جهنم ، وإنّ نهايتهم وعاقبتهم هناك ستكون سيئة لا محالة : (فَأُولئِكَ مَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
أمّا الآية الاخرى من الآيات الثلاث المذكورة ، فهي تستثني المستضعفين والعاجزين الحقيقيين لا المزيفين ، فتقول : إنّ اولئك الرجال والنساء والأطفال الذين لم يجدوا لأنفسهم مخرجاً للهجرة ، ولم يتمكنوا من إيجاد وسيلة للنجاة من محيطهم الملوث ، فهم مستثنون من حكم العذاب ، لأنّ هؤلاء معذورون في الحقيقة ، وإنّ الله لا يكلف نفساً ما لا تطيق ، (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَايَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً).
والآية الأخيرة من الآيات الثلاث المذكورة تبيّن احتمال أن يشمل الله بعفوه هؤلاء ، إذ