تقول : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ للهُ عَفُوًّا غَفُورًا).
إنّ الإتيان بكلمة «توفّى» في الآية الشريفة المارة الذكر بدلاً من ذكر كلمة «الموت» إنّما هو إشارة إلى أنّ الموت ليس هو الفناء التام ، بل هو حالة تتلقى فيها الملائكة روح الإنسان ، أي أنّ الملائكة يقبضون من الإنسان روحه التي هي جوهر وجوده ، فتؤخذ هذه الروح إلى العالم الآخر.
(وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٠)
الهجرة حكم اسلامي بنّاء : بعد أن بحثت الآيات السابقة حول الأفراد الذين يقعون فريسة الذل والمسكنة بسبب عدم إيفائهم بواجب الهجرة ، تشرح الآية الأخيرة بشكل صريح وحاسم أهمّية الهجرة في قسمين :
في القسم الأوّل : تشير هذه الآية إلى نعم وبركات الهجرة في الحياة الدنيا ، فتقول إنّ الذي يهاجر في سبيل الله إلى أي نقطة من نقاط هذه الأرض الواسعة ، سيجد الكثير من النقاط الآمنة الواسعة ليستقر فيها ، ويعمل هناك بالحقّ ويرغم أنف المعارضين (وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِى الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً).
بعد ذلك تشير الآية في القسم الثاني منها إلى الجانب المعنوي الاخروي للهجرة : (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). وعلى هذا الأساس فإنّ المهاجرين في كل الأحوال سينالهم نصر كبير ، سواء وصلوا إلى المكان الذي يستهدفونه ليتمتعوا فيه بحرية العمل بواجباتهم ، أو لم يصلوا إليه فيفقدوا حياتهم في هذا الطريق.
(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً) (١٠١)
صلاة المسافر : بعد الآيات التي تحدثت سابقاً عن الجهاد والهجرة ، تتطرق الآية (١٠١) من سورة النساء ـ التي هي موضوع بحثنا الآن ـ إلى صلاة المسافر ، فتبين أن لا مانع للمسلم من أن يقصر صلاته لدى السفر إذا خاف من خطر الكافرين الذين هم الأعداء البارزون