والطريق الثاني : هو أن يسلك الإنسان سبيل العناد ، وقد أشارت الآية الأخيرة إلى الآثار والعواقب السيئة لهذا الطريق ، حيث أعلنت أنّ من يواجه النبي صلىاللهعليهوآله بالعناد والمخالفة بعد وضوح الحق له ، ويسير في طريق غير طريق المؤمنين فإنّ الله سوف لن يهديه إلى غير هذا الطريق ، وسيرسله الله في يوم القيامة إلى جهنم ، وما أسوأ هذا المكان الذي ينتظره! فتقول الآية : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
إنّ عبارة «يُشَاقِقِ» مأخوذة من مادة «شقاق» بمعنى المخالفة الصريحة المقرونة بالحقد والضغينة.
وجملة «نُوَلّهِ مَا تَوَلّى» فهو إشارة إلى حرمان هؤلاء من التوفيق المعنوي ، لتمييز الحقّ ، ومواصلتهم السير في طريق الضلالة.
وجملة «نُصْلِهِ جَهَنَّمَ» فهي تشير إلى مصير هؤلاء يوم القيامة.
(إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً) (١١٦)
الشرك ذنب لا يغتفر : تشير هذه الآية مرة اخرى إلى خطورة جريمة الشرك الذي يعتبر ذنباً لا يغتفر ولا يتصور وجود ذنب أعظم منه ، ويأتي هذا البحث بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن المنافقين والمرتدين الذين ينساقون بعد إسلامهم إلى الكفر. ولقد مرّ ما يشابه مضمون هذه الآية في نفس سورة النساء في الآية (٤٨) ولكن تتمة الآيتين تختلف في إحداهما عن الأخرى اختلافاً طفيفاً ، حيث تقول الآية الأخيرة : (وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَللاً بَعِيدًا) بينما يقول في مورد سابق (وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا).
إنّ الآية السابقة تشير إلى الفساد العظيم الذي ينطوي عليه الشرك فيما يخص الجانب الإلهي ومعرفة الله ، أمّا الآية الأخيرة فقد بيّنت الأضرار التي يلحقها الشرك بنفس الإنسان والتي لا يمكن تلافيها.
* * *