وبهذه الصورة يعمد القرآن إلى نبذ كل العصبيات بكل بساطة ، معتبراً الاعتبارات والإرتباطات المصطنعة الخيالية والاجتماعية والعرقية وأمثالها خاوية من كل قيمة إذا قيست برسالة دينية ، ويعتبر الإيمان بمباديء الرسالة والعمل بأحكامها هو الأساس.
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) (١٢٦)
لقد تحدثت الآيات السابقة عن أثر الإيمان والعمل ، كما بيّنت أنّ إتّباع أي مذهب أو شريعة غير شرع الله لا يغني عن الإنسان شيئاً ، والآية الحاضرة تداركت كل وهم قد يطرأ على الذهن من سياق الآيات السابقة ، فأوضحت أفضيلة شريعة الإسلام وتفوقها على سائر الشرائع الموجودة ، حيث قالت : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرهِيمَ حَنِيفًا).
لقد بيّنت الآية ـ موضوع البحث ـ اموراً ثلاثة تكون مقياساً للتفاضل بين الشرائع وبياناً لخيرها :
١ ـ الإستسلام والخضوع المطلق لله العزيز القدير ، حيث تقول الآية : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ).
٢ ـ فعل الخير ، كما تقول الآية : (وَهُوَ مُحْسِنٌ). والمقصود بفعل الخير ـ هنا ـ كل خير يفعله الإنسان بقلبه أو لسانه أو عمله.
٣ ـ إتّباع شريعة إبراهيم النقية الخالصة ، كما في الآية : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرهِيمَ حَنِيفًا) (١).
ودليل الإعتماد على شريعة إبراهيم ما ذكرته الآية نفسها في آخرها ، إذ تقول : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرهِيمَ خَلِيلاً).
بعد ذلك تتحدث الآية التالية بملكية الله والمطلقة وإحاطته بجميع الأشياء ، حيث تقول :
__________________
(١) «ملّة» : تعني «الشريعة أو الدين» والفرق بين الملّة والدين أنّ الاولى لا تنسب إلى الله ، أى لا يقال «ملّة الله» ويمكن أن تضاف إلى النّبي بينما كلمة الدين أو الشريعة يمكن أي يضافا إلى لفظ الجلالة فيقال : «دين الله» أو «شريعة الله» كما يمكن إضافتهما إلى النّبي أيضاً. و «حنيف» : تعني الشخص الذي يترك الأديان الباطلة ويتبع دين الحق.