صفات المنافقين : تبيّن هذه الآية ـ وآيات اخرى تالية ـ قسماً آخر من صفات المنافقين وأفكارهم المضطربة ، فتؤكّد أنّ المنافقين يسعون دائماً لاستغلال أي حدث لصالحهم ، فلو انتصر المسلمون حاول المنافقون أن يحشروا أنفسهم بين صفوف المؤمنين ، زاعمين بأنّهم شاركوا المؤمنين في تحقيق النصر وأدعوا بأنّهم قدموا دعماً مؤثراً للمؤمنين في هذا المجال ، مطالبين بعد ذلك بمشاركة المؤمنين في الثمار المعنوية والمادية للنصر حيث تقول الآية في حقهم : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ).
وهؤلاء المنافقون ينقلبون على أعقابهم حين يكون النصر الظاهري من نصيب أعداء الإسلام فيتقربون إلى هؤلاء الأعداء ، ويعلنون لهم الرضى والموافقة بقولهم أنّهم هم الذين شجعوهم على قتال المسلمين وعدم الإستسلام لهم ، ويدعون بأنّهم شركاء في النصر الذي حققه أعداء الإسلام تقول الآية : (وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعَكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وعلى هذا المنوال تحاول هذه الفئة المنافقة أن تكون تارة رفاق الطريق مع الكفار وتارة شركاءهم في الجريمة وهكذا يمضون حياتهم بالتلون والنفاق واللعب على الحبال المختلفة.
ولكن القرآن الكريم يوضح بعبارة واحدة مصير هؤلاء ونهايتهم السوداء ، ويبين أنّهم ـ لا محالة ـ سيلاقون ذلك اليوم الذي تكشف فيه الحجب عن جرائمهم ويرفع النقاب عن وجوههم الكريهة ، وعند ذلك ـ أي في ذلك اليوم ، وهو يوم القيامة ـ سيحكم الله بينهم وهو أحكم الحاكمين ، فتقول الآية في هذا المجال : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ).
ولكي يطمئن القرآن المؤمنين الحقيقيين من خطر هؤلاء ، تؤكد هذه الآية ـ في آخرها ـ بأنّ الله لن يجعل للكافرين مجالاً للانتصار أو التسلط على المسلمين ، وذلك حيث تقول الآية : (وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلَى هؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (١٤٣)