لقد وردت في هذه الآية خمس صفات للمنافقين ، وهي :
١ ـ إنّ هؤلاء ـ لأجل تحقيق أهدافهم الدنيئة ـ يتوسلون بالخدعة والحيلة ، حتى أنّهم يريدون على حسب ظنهم أن يخدعوا الله تعالى أيضاً ، ولكنّهم يقعون في نفس الوقت ومن حيث لا يشعرون في حبال خدعتهم ومكرهم ، إذ هم ـ لأجل اكتساب ثروات مادية تافهة ـ يخسرون الثروات الكبيرة الكامنة في وجودهم ، تقول الآية في هذا المجال : (إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ).
٢ ـ إنّ المنافقين بعيدون عن رحمة الله ، ولذلك فهم لا يتلذذون بعبادة الله والتقرب إليه ، ويدل على ذلك أنّهم حين يريدون أداء الصّلاة يقومون إليها وهم كسالى خائرو القوى ، تقول الآية في هذا الأمر : (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَوةِ قَامُوا كُسَالَى).
٣ ـ ولما كان المنافقون لا يؤمنون بالله وبوعوده ، فهم حين يقومون بأداء عبادة معينة ، إنّما يفعلون ذلك رياءاً ونفاقاً وليس من أجل مرضاة الله ، تقول الآية : (يُرَاءُنَ النَّاسَ).
٤ ـ ولو نطقت ألسن هؤلاء المنافقين بشيء من ذكر الله ، فإنّ هذا الذكر لا يتجاوز حدود الألسن ، لأنّه ليس من قلوبهم ، ولا هو نابع من وعيهم ويقظتهم ، وحتى لو حصل هذا الأمر فهو نادر وقليل. تقول الآية : (وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً).
٥ ـ إنّ المنافقين يعيشون في حيرة دائمة ودون أي هدف أو خطّة معيّنة لطريقة الحياة ولهذا فهم يعيشون حالة من التردد والتذبذب ، فلا هم مع المؤمنين حقّاً ولا هم يقفون إلى جانب الكفار ظاهراً ، وفي هذا تقول الآية الكريمة : (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَاإِلَى هؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هؤُلَاءِ).
وتبيّن الآية في الختام مصير هؤلاء المنافقين ، وتوضح أنّهم اناس قد سلب الله عنهم حمايته نتيجة لأعمالهم وتركهم يتيهون في الطريق المنحرف الذي سلكوه بأنفسهم ، فهم لن يهتدوا أبداً إلى طريق النجاة ، لأنّ الله كتب عليهم التيه والضلالة عقاباً لهم على أعمالهم. تقول الآية الكريمة في ذلك : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) (١٤٦)