نماذج اخرى من ممارسات اليهود العدوانية : تشير هذه الآيات إلى نماذج اخرى من انتهاكات بني إسرائيل وممارساتهم العدوانية التي واجهوا بها أنبياء الله. فالآية الاولى تشير إلى قيام اليهود بنقض العهود ، وإلى إرتداد بعضهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم للأنبياء ، بحيث استوجبوا غضب الله والحرمان من رحمته وحرمانهم من قسم من نعم الله الطاهرة.
فقد أنكر هؤلاء آيات الله وكفروا بها بعد نقضهم للعهد واتّبعوا بذلك سبيل الضلال ولم يكتفوا بهذا الحدّ ، بل تمادوا في غيّهم ، فارتكبت أياديهم الآثمة جريمة كبرى ، إذ عمدوا إلى قتل الهداة والقادة إلى طريق الحق من أنبياء الله ، إيغالاً منهم في إتّباع طريق الباطل والإبتعاد عن طريق الحق.
لقد كان هؤلاء اليهود بدرجة من العناد والصلف والوقاحة ، بحيث كانوا يواجهون كلام الأنبياء بالسخرية والاستهزاء ، ووصل بهم الأمر إلى أن يقولوا بكل صراحة أنّ قلوبهم تغطيها حجب عن سماع وقبول قول الأنبياء! تقول الآية الاولى من الآيات الأربع الأخيرة : (فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَايَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ).
وهنا يؤكد القرآن الكريم أنّ قلوب هؤلاء مختومة حقاً ، بحيث لا ينفذ إليها أي حق ، وسبب ذلك هو كفرهم وانعدام الإيمان لديهم ، فهم لا يؤمنون لعنادهم وصلفهم إلّاالقليل منهم.
وقد تجاوز هؤلاء المجرمون الحدّ ، فألصقوا بمريم العذراء الطاهرة تهمة شنيعة وبهتاناً عظيماً ، هي امّ لأحد أنبياء الله الكبار ، وذلك لأنّها حملت به بإذن الله دون أن يمسّها رجل. تقول الآية في هذا المجال : (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا).
وقد تباهى هؤلاء الجناة وافتخروا بقتلهم الأنبياء ، وزعموا أنّهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم رسول الله ، تقول الآية : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ). وقد كذبوا بدعواهم هذه في قتل المسيح ، فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه ، بل صلبوا شخصاً شبيهاً بعيسى المسيح عليهالسلام وإلى هذه الواقعة تشير الآية بقولها : (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلكِن شُبّهَ لَهُمْ).
وأكّدت الآية أنّ الذين اختلفوا في أمر المسيح عليهالسلام كانوا ـ هم أنفسهم ـ في شك من أمرهم ، فلم يكن أحدهم يؤمن ويعتقد بما يقول ، بل كانوا يتبعون الأوهام والظن. تقول الآية : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شَكّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتّبَاعَ الظَّنّ).