ويأتي القرآن ليؤكّد هنا بأنّ هؤلاء لم يقتلوا المسيح أبداً ، بل رفعه الله إليه ، والله هو القادر على كل شيء ، وهو الحكيم لدى فعل أيّ شيء ، تقول الآية : (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).
وحين تلاحظ أنّ القرآن يؤكد على قضية عدم صلب المسيح عليهالسلام مع أنّ هذه القضية تظهر للعيان وكأنّها مسألة اعتيادية بسيطة ، من أجل دحض عقيدة الفداء الخرافية بشدة ، لمنع المسيحيين من الإيغال في هذا الاعتقاد الفاسد ، ولكي يؤمنوا بأنّ طريق الخلاص والنجاة إنّما هو في أعمالهم هم أنفسهم وليس في ظل الصليب.
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً)(١٥٩)
هنالك احتمالان في تفسير هذه الآية وكل واحد منهما جدير بالملاحظة من جوانب متعددة :
١ ـ إنّ الآية تؤكد أنّ أي إنسان يمكن أن لا يعتبر من أهل الكتاب ما لم يؤمن قبل موته بالمسيح عليهالسلام حيث تقول : (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ). وأنّ هذا الأمر يتمّ حين يشرف الإنسان على الموت وتضعف صلته بهذه الدنيا ، وتقوى هذه الصلة بعالم ما بعد الموت ، وفي هذه اللحظة يرى المسيح بعين بصيرته ويؤمن به ، فالذين أنكروا نبوته يؤمنون به ، والذين وصفوه بالالوهية يدركون في تلك اللحظة خطأهم وإنحرافهم.
وبديهي أنّ مثل هذا الإيمان لا ينفع صاحبه.
٢ ـ قد يكون المقصود في الآية هو أنّ جميع أهل الكتاب يؤمنون بعيسى المسيح قبل موته ، فاليهود يؤمنون بنبوته والمسيحيون يتخلون عن الاعتقاد بربوبية المسيح عليهالسلام ويحدث هذا ـ طبقاً للروايات الإسلامية ـ حين ينزل المسيح عليهالسلام من السماء لدى ظهور المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه ، وواضح أنّ عيسى المسيح سيعلن في مثل هذا اليوم انضواءه تحت راية الإسلام لأنّ الشريعة السماوية التي جاء بها إنّما نزلت قبل الإسلام ولذلك فهي منسوخة به.
وتقول الآية في الختام : (وَيَوْمَ الْقِيمَةِ يِكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا). أي : شهادة المسيح عليهالسلام على قومه بأنّه قد بلّغهم رسالة الله ولم يدعهم لإتّخاذه إلهاً من دون الله ، بل دعاهم إلى الإقرار بربوبية الله الواحد القهار.