قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ).
وتبيّن هذه الآية في آخرها قضية مهمّة جدّاً ، وهي أنّ الله قد كلّم موسى بدل أن ينزل عليه الوحي ، فتقول : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا).
وعلى هذا الأساس فإنّ صلة الوحي ظلت باقية بين البشر ، ولم يكن من عدل الله أن يترك البشر دون مرشد أو قائد ، أو أن يتركهم دون أن يعين لهم واجباتهم وتكاليفهم ، وهو الذي بعث الأنبياء والرسل للبشر مبشرين ومنذرين ، لكي يبشروا الناس برحمته وثوابه ، ويُنذرونهم من عذابه وعقابه لكي يتمّ الحجة عليهم فلا يبقى لهم عذر أو حجة. تقول الآية : (رُّسُلاً مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
فقد أحكم الله العزيز القدير خطّة إرسال الأنبياء ونفّذها بكل دقة ، وبهذا تؤكد الآية : (وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا). فحكمته توجب تحقيق هذا العمل ، وقدرته تمهد السبيل إلى تنفيذه.
أمّا الآية الاخرى فهي تطمئن النبي صلىاللهعليهوآله وتوضح له أنّ المهم هو أنّ الله قد شهد بما أنزل عليه من كتاب ، وليس المهم أن يؤمن نفر من هؤلاء بهذا الكتاب أو يكفروا به ـ فتؤكّد الآية في هذا المجال ـ : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ).
ولم يكن اختيار الله لمحمّد صلىاللهعليهوآله لمنصب النبوة أمراً عبثاً ـ والعياذ بالله ـ بل كان هذا الاختيار نابعاً من علم الله بما كان يتمتع به النبي من لياقة وكفاءة لهذا المنصب العظيم ، ولنزول آيات الله عليه ـ حيث تقول الآية : (أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ).
والقرآن الكريم يؤكد أن ليس الله وحده الذي يشهد بأنّ دعوة محمّد صلىاللهعليهوآله هي الحق ، بل يشهد معه ملائكته بأحقّية هذه الدعوة ، مع أنّ شهادة الله كافية وحدها في هذا المجال. تقول الآية الكريمة : (وَالْمَلِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (١٦٩)
جرى البحث في الآيات السابقة حول المؤمنين وغير المؤمنين ، أمّا الآيات الثلاثة الأخيرة فهي تشير إلى مجموعة اختارت أقبح أنواع الكفر ، فهؤلاء ـ بالإضافة ـ إلى انحرافهم وضلالهم سعوا إلى تحريف وإضلال الأخرين ، وقد ظلموا أنفسهم بفعلهم هذا