بعد ذلك ولكي تبطل الآية الكريمة عقيدة الوهية المسيح عليهالسلام تقول : (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا).
وهذه إشارة إلى أنّه لو كان المسيح عليهالسلام إلهاً لإستحال على خالق الكون أن يهلكه وتكون نتيجة ذلك أن تتحدد قدرة هذا الخالق ومن كانت قدرته محدودة لا يمكن أن يكون إلهاً ، لأنّ قدرة الله كذاته لا تحدّها حدود مطلقاً (تدبّر جيداً).
وفي الختام ترد الآية الكريمة على أقوال اولئك الذين اعتبروا ولادة المسيح من غير أب دليلاً على الوهيته فتقول : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ). فالله قادر على أن يخلق إنساناً من غير أب ومن غير ام كما خلق آدم عليهالسلام وهو قادر أيضاً على أن يخلق إنساناً من غير أب كما خلق عيسى المسيح عليهالسلام وقدرة الله هذه كقدرته في خلق البشر من آبائهم وامهاتهم ، وهذا التنوع في الخلق دليل على قدرته ، وليس دليلاً على أيّ شيء آخر سوى هذه القدرة.
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(١٨)
استكمالاً للبحوث السابقة التي تناولت بعض إنحرافات اليهود والنصارى ، تشير الآية الأخيرة إلى أحد الدعاوى الباطلة التي تمسك بها هؤلاء ، فتقول : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنؤُا اللهِ وَأَحِبؤُهُ).
إنّ القرآن الكريم حارب كل هذه الإمتيازات والدعاوى الوهمية ، فهو لا يرى للإنسان امتيازاً إلّابالإيمان والعمل الصالح والتقوى ، ولذلك تقول الآية الأخيرة في تفنيد وإبطال الإدّعاء الأخير : (قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم). فهؤلاء ـ بحسب اعترافهم أنفسهم ـ يشملهم العذاب الإلهي حيث قالوا بأنّ العذاب يمسّهم لأيّام معدودة ، فكيف يتلاءم ذلك الإدعاء وهذا الإعتراف؟ وكيف يمكن أن يشمل عذاب الله أبناءه وأحباءه؟! ومن هنا يثبت أن لا أساس ولا صحة لهذا الإدعاء ، وقد شهد تاريخ هؤلاء على أنّهم حتى في هذه الدنيا ابتلوا بسلسلة من العقوبات الإلهية ، ويعتبر هذا دليلاً آخر على زيف وبطلان دعواهم تلك.