المسألة بشكل كامل ، واعتبروها شبيهة بالوساطات التي تقدم إلى السلاطين والحكام الظالمين.
وثمة مجموعة كالوهابيين استندوا إلى الآية الكريمة : (لَايُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ). فأنكروا الشفاعة تماماً ، دون الإلتفات إلى سائر الآيات في هذا المجال.
الشّروط المختلفة للشفاعة : آيات الشفاعة تصرح أنّ مسألة الشفاعة في مفهوم الإسلام مقيدة بشروط ، هذه الشروط تحدد تارة الخطيئة التي يستشفع المذنب لها ، وتحدّد تارة اخرى الشخص المشفوع له ، كما تقيد من جهة اخرى الشفيع ، وهذه الشروط بمجموعها تكشف عن المفهوم الحقيقي للشفاعة وعن فلسفتها.
ثمّة ذنوب كالظلم مثلاً خارجة عن دائرة الشفاعة حيث يقول القرآن : (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) (١).
كما أنّ الشفاعة ـ وطبقاً للآية (٢٨) من سورة الأنبياء ـ لا تشمل إلّاأولئك المرتقين إلى درجة «الإرتضاء» وإلى درجة الالتزام بالعهد الإلهي حيث يقول القرآن : (لَايَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمنِ عَهْدًا) (٢).
الإرتضاء ، واتخاذ العهد ، يعنيان على المستوى اللغوي (وكذلك ما ورد من الروايات في تفسير هذه الآيات) : الإيمان بالله والحساب والميزان والثواب والعقاب ، والإعتراف بالحسنات والسيئات ، وبما أنزل الله ، إيماناً عميقاً في الفكر ، ظاهراً في العمل ... إيماناً يبعد صاحبه عن صفات الظالمين الذين لا يؤمنون بأية قيمة إنسانية ، ويدفعه إلى إعادة النظر في منهج حياته.
وبشأن الشفعاء ذكر القرآن لهم شرطاً في قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقّ) (٣). من هنا فالمشفوع له أيضاً ينبغي أن يسلك طريق الحق في القول والعمل ، كي يكون له إرتباط بالشفيع ، وهذا الإرتباط الضروري بين الشفيع والمشفوع له يعتبر بدوره عاملاً بنّاءاً في تعبئة الطاقات على طريق الحق.
__________________
(١) سورة غافر / ١٨.
(٢) سورة مريم / ٨٧.
(٣) سورة الزخرف / ٨٦.