طلب عجيب : هاتان الآيتان تذكّران بني إسرائيل بنعمة إلهيّة اخرى ، كما توضحان في الوقت نفسه روح اللجاج والعناد في هؤلاء القوم ، وتبيان ما نزل بهم من عقاب إلهي ، وما شملهم الله به من رحمة بعد ذلك العقاب. تقول الآية الاولى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً).
هذا الطلب قد ينم عن جهل بني إسرائيل ، لأنّ إدراك الإنسان الجاهل لا يتعدّى حواسه ، ولذلك يرمي إلى أن يرى الله بعينه.
أو قد يحكي هذا الطلب عن ظاهرة لجاج القوم وعنادهم التي يتميزون بها دوماً.
عندئذٍ شاء الله سبحانه أن يرى هؤلاء ظاهرة من خلقه لا يطيقون رؤيتها ، ليفهموا أنّ عينهم الظاهرة هذه لا تطيق رؤية كثير من مخلوقات الله ، فما بالك برؤية الله سبحانة نزلت الصاعقة على الجبل وصحبها برق شديد ورعد مهيب وزلزال مروع ، فتركهم ، على الأرض صرعى من شدّة الخوف : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ).
اغتم موسى لما حدث بشدة ، لأنّ هلاك سبعين نفراً من كبار بني إسرائيل ، قد يوفّر الفرصة للمغامرين من أبناء القوم أن يثيروا ضجّة بوجه نبيهم ، لذلك تضرع موسى إلى الله أن يعيدهم إلى الحياة ، فقبل طلبه وعادوا إلى الحياة : (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
هذه الآية تشير ضمناً إلى إمكان «الرجعة» ، أي الرجوع إلى هذه الحياة الدنيا بعد الموت ، لأنّ وقوعها في مورد يدل على إمكان الوقوع في موارد اخرى.
(وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧)
النعم المتنوعة : بعد أن نجا بنو إسرائيل من الفرعونيين ، تذكر الآيات (٢٣ ـ ٢٩) من سورة المائدة ، أنّ بني إسرائيل امروا لأن يتجهوا إلى أرض فلسطين المقدسة ، لكن هؤلاء عصوا هذا الأمر ، وأصروا على عدم الذهاب مادام فيها قوم جبارون (العمالقة) ، وأكثر من ذلك تركوا أمر مواجهة هؤلاء الظالمين لموسى وحده قائلين له : «فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا ههُنَا قَاعِدُونَ» (١).
__________________
(١) سورة المائده / ٢٤.