لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
وقوله تعالى : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) أي أمرناهم بالطاعة ، وقيل معناه كثرناهم ، وقال أبو عمرو : لا يقال أمرت بالتخفيف فى معنى كثرت ، وإنما يقال أمرت وآمرت. وقال أبو عبيدة : قد يقال أمرت بالتخفيف نحو : خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة ، وفعله أمرت. وقرئ : أمرنا ، أي جعلناهم أمراء ، وعلى هذا حمل قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) وقرئ أمرنا بمعنى أكثرنا والائتمار قبول الأمر ويقال للتشاور ائتمار لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به ، قال تعالى : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ) قال الشاعر :
وأمرت نفسى أي أمر أفعل
وقوله تعالى : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) أي منكرا من قولهم أمر الأمر أي كبر وكثر قولهم استفحل الأمر ، وقوله تعالى : (وَأُولِي الْأَمْرِ) قيل عنى الأمراء فى زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل الأئمة من أهل البيت ، وقيل الآمرون بالمعروف. وقال ابن عباس رضى الله عنهما : هم الفقهاء وأهل الدين المطيعون لله ، وكل هذه الأقوال صحيحة. ووجه ذلك أن أولى الأمر الذين بهم يرتدع على الناس أربعة : الأنبياء وحكمهم على ظاهر العامة والخاصة وعلى بواطنهم ، والولاة وحكمهم على ظاهر الكافة دون باطنهم ، والحكماء وحكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر ، والوعظة وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم.
(أمن) : أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف والأمن والأمانة والأمان ، فى الأصل مصادر ويجعل الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان فى الأمن ، وتارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان نحو قوله تعالى : (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) أي ما ائتمنتم عليه ، وقوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قيل هى كلمة التوحيد وقيل العدالة ، وقيل حروف التهجي ، وقيل العقل ، وهو صحيح فإن العقل هو الذي لحصوله يتحصل معرفة التوحيد وتجرى العدالة وتعلم حروف التهجي بل لحصوله تعلم كل ما فى طوق البشر تعلمه وفعل ما فى طوقهم من الجميل فعله وبه فضل على كثير ممن خلقه. وقوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) أي آمنا من النار ، وقيل من بلايا الدنيا التي تصيب