أتى بالعجب العجاب ووجب أن يكون إمام النّاس كلّهم في ذلك لأنّه ابتكره ولم يعرف من قبله ، وإن كان اقتضبها ابتداءً وفاضت عليها لسانه مُرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير روية ولا اعتمال فأعجب وأعجب على كلا الأمرين فلقد جاء مجليا والفصحاء ينقطع أنفاسهم على أثره»(١).
وأمّا الأمر الثاني :
ما يخصّ عمل السيّد الشريف الرضي رحمهالله فقد صرّح في مقدّمة كتاب نهج البلاغة إنّ ما أودعه في هذا الكتاب هو المختار من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام وهذا يعني أنّه لم يورد كلّ ما صدر عنه عليهالسلام من خطب وكتب ورسائل وحكم ... وإنّ تأليفه هذا كان لاحقاً لما ألّفه من كتاب في خصائص الأئمّة عليهمالسلام الذي يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم ، إلاّ أنّه لم يتمّ ، ولمّا استحسن جماعة من الأصدقاء عمله ذاك طلبوا منه أن يختار لهم من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام ما يشمل جميع الفنون من خطب وكتب ومواعظ وأدب .. ، قال رضوان الله تعالى عليه :
«وسألوني ـ عند ذلك ـ أن أبتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في جميع الفنون ، ومتشعّبات غصونه من خطب وكتب ومواعظ وأدب. علماً أنّ ذلك يتضمّن من عجائب البلاغة ، وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية مالا يوجد مجتمعاً في كلام ، ولا مجموع الأطراف في كتاب ... إلى أن يقول : ... فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالماً بما فيه من عظيم النفع ومأثور الذكر ، ومذخور الأجر ... ورأيت كلامَهُ عليهالسلام يدور على أقطاب ثلاثة :
__________________
(١) بحار الأنوار ٤١ / ٣٥٩.