ثم ما وجه الغرابة والقرآن الكريم بأيدينا إذ تصدّرت عدّة سور بالحمد منها سورة فاتحة الكتاب ، وسورة الكهف .. فما ورد في خطب أمير المؤمنين عليهالسلام إنّما هو انسجام مع إسلوب القرآن الكريم وكلام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
أمّا الشكّ السادس عشر : من الشكوك الموجّه إلى جمع الشريف الرضي : إنّ هذه الخطب المنقولة في النهج لو كانت صادرة عن الإمام ومن كلماته ، لكانت موجودة قبل تصنيف الشريف الرضي.
وهذا الإشكال ذكره محمّـد كرد علي في كتابه الإسلام والحضارة العربية(١) نقلا عن كتاب منهاج السنّة لابن تيميّة.
لقد تقدّم بحثنا في الردّ على مَن أورد هذا ، الشكّ وأثبتنا في الصفحات السابقة بطلانه ، كما أوردنا أسماء عدّة مجاميع لخطب أمير المؤمنين عليهالسلام عاش مصنّفوها قبل الشريف الرضي بعشرات السنين فراجع.
وخلاصة ما يمكن أن يقال في الإمام عليّ ونهجه ما ذكره لنا الأستاذ محمّـد أمين النواوي قال : «لقد كان عليّ في خطبه المتدفّقة يمثّل بحراً خضمّاً من العلماء الربّانيّين وأسلوباً جديداً لم يكن إلاّ لسيّد المرسلين ، وطرق بحوثاً من التوحيد لم تكن تخضع في الخطابة إلاّ لمثله ، فهي فلسفة سامية لم يعرفها الناس قبله ، فدانت لبيانه وسلست في منطقه وأدبه ، وخاض في أسرار الكون ، وطبائع الناس ، وتشريح النفوس ، وبيان خصائصها وأصنافها ، وعرض لمداخل الشيطان ومخارجه ، وفتن الدنيا وآفاتها ، في الموت وأحواله ، وفي بدء الخلق ، ووصف الأرض ، وفي شأن
__________________
(١) الإسلام والحضارة العربية ٢ / ٦١.