صلىاللهعليهوسلم : أي الذنب أكبر؟ قال : «أن تجعل لله أندادا وهو خلقك ...» (١)
* * *
وبعد عرض هذا التطاول على مقام الخالق جل وعلا ، يعرض تطاولهم على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويرد عليه عقب عرضه بما يظهر سخفه وكذبه :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ. فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً. وَقالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. قُلْ : أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) ...
وأكذب شيء أن يقول كفار قريش هذه المقالة ، وهم يوقنون في أنفسهم أنها الفرية التي لا تقوم على أساس. فما يمكن أن يخفى على كبرائهم الذين يلقنونهم هذا القول أن القرآن الذي يتلوه عليهم محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ شيء آخر غير كلام البشر ؛ وهم كانوا يحسون هذا بذوقهم في الكلام ؛ وكانوا لا يملكون أنفسهم من التأثر بالقرآن. ثم هم كانوا يعلمون عن محمد قبل البعثة أنه الصادق الأمين الذي لا يكذب ولا يخون. فكيف به يكذب على الله وينسب إليه قولا لم يقله؟
ولكنه العناد والخوف على مراكزهم الاجتماعية المستمدة من سيادتهم الدينية ، كان يجنح بهم إلى هذه المناورات يطلقونها في وسط جمهور العرب ، الذين قد لا يميزون بين الكلام ، ولا يعرفون درجته : (إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ). قيل : إنهم عبيد أعاجم ثلاثة أو أكثر ، هم الذين كانوا يعنونهم بهذه المقالة. وهو كلام متهافت تافه لا يقف للجدل. فإن كان بشر يملك أن يفتري مثل هذا القرآن بمعاونة قوم آخرين ، فما يمسكهم هم عن الإتيان بمثله ، مستعينين بأقوام منهم ، ليبطلوا حجة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو يتحداهم به وهم عاجزون؟!
ومن ثم لا يجادلهم هنا ولا يناقشهم في هذا القول المتهافت ؛ إنما يدمغهم بالوصف البارز الثابت :
(فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) .. ظلما للحق ، ولمحمد ، ولأنفسهم ، وزورا واضح الكذب ظاهر البطلان.
ثم يمضي في استعراض مقولاتهم عن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعن القرآن :
(وَقالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ..
ذلك لما وجدوا فيه من قصص الأولين التي يسوقها للعبرة والعظة ، للتربية والتوجيه ، فقالوا عن هذا القصص الصادق : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وزعموا أن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ طلب أن تكتب له ، لتقرأ عليه في الصباح والمساء ـ إذ كان أميالا يقرأ ولا يكتب ـ ثم يقولها هو بدوره ، وينسبها إلى الله! وهذا استطراد في دعواهم التي لا تقوم على أساس ، ولا تثبت للمناقشة. وإن سياقة القصص في القرآن بهذا التنسيق في عرضه ؛ وبهذا التناسق بينه وبين الموضوع الذي يساق فيه ، ويستشهد بالقصص عليه ؛ وبهذا التناسب بين أهداف القصص وأهداف السياق في السورة الواحدة .. إن هذا كله ليشهد بالقصد والتدبير العميق اللطيف الذي لا يلحظ في الأساطير المبعثرة التي لا تجمعها فكرة ، ولا يوجهها قصد ، إنما تساق للتسلية وتزجية الفراغ (٢)!
__________________
(١) أخرجه البخاري ومسلم.
(٢) يراجع بتوسع فصل : القصة في القرآن في كتاب : «التصوير الفني في القرآن». «دار الشروق».