وترسله على قلّته ، يمثل صفاء ذهن القاسمي ، وتمكنه من اللغة العربية وغوصه على المعاني ، وسعة اطلاعه على مخلفات التراث العربي القديم ، وعلى ما ضمّت المكتبة العربية من طريف المؤلفات وحديثها.
ويرى المتتبع لكتبه أنه كان أحرص على الفكرة منه على الأسلوب. أما أسلوبه في الإلقاء فقد أطاعت اللغة العربية لسانه على شكل لم يؤلف لدى رجال الدين في ذلك العصر ، وكانت الألفاظ تنثال على لسانه في كثير من الانسجام والرقة والعذوبة.
٧ ـ ثقافته العامة :
لم يكن لرجال الدين في عصر القاسمي أي اهتمام بغير كتب الفقه والآلة ، أما القاسمي فقد صرف اهتمامه إلى جميع أنواع المعرفة التي أخذت في الانتشار ، وعزم على أن يتعلم في شبابه وكهولته ما فاته تعلمه في طفولته.
ولعل أوضح عنوان لثقافته العامة مؤلفاته الكثيرة المتعددة ، ومكتبته الخاصة التي حوت كتبا شتى ، لم يخل واحد منها من تصحيح أو تعليق. فإلى جانب كتب التفسير والحديث والفقه واللغة والتصوف والأدب والتاريخ ، ترى كتب الفلسفة ؛ وكتب الاجتماع ، وكتب الرياضيات وكتب الجغرافيا. ولم تخل مكتبته من كتب الفرق الإسلامية ، وكتب الديانات الأخرى ، كاليهودية والنصرانية. أضف إلى هذا أنه كان مواظبا على مطالعة المجلات الشهرية العلمية والتاريخية والأدبية التي كانت تصدر في زمانه كالمقتبس والمقتطف والهلال ، ومن الآثار الواضحة لثقافته العامة ، مؤلفاته العديدة. فقد ألّف في مواضيع نادرة ومتعددة ، فإلى جانب مؤلفاته في التفسير والحديث والأصول ، وضع كتابا في تاريخ دمشق ، ورسالة في الجن ، وكتيبا في الشاي والقهوة والدخان ، ومقالة عن القلب.
وإذا قرأت كتابه «دلائل التوحيد» رأيت فيه حصيلة حسنة من علوم الفلك والجغرافيا والحيوان والنبات والجيلوجيا. وفي كتابه «إرشاد الخلق إلى العمل بخبر البرق» وضع خاتمة بعنوان «طرف تاريخية وطرائف أدبية» بحث فيها عن «التلغراف» ومعناه ، واشتقاقه من اللغة اليونانية ، وأول من استعمل الكهرباء في المخابرة عن بعد ، وكذلك «التلفون».
ويحدث أن يصاب عام ١٣١٢ بمرض «البواسير» ، فيتألم ، ويدفعه ألمه إلى البحث عن هذا المرض بحثا علميا ، ويضع في ذلك رسالة سماها «ما قاله الأطباء