في أول الآية (وَلَكُمْ) وفيها لطيفة : وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص ، وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم ، لتخصيصهم بالمعنى مع وجوده فيمن سواهم ..! انتهى.
وقوله تعالى (يا أُولِي الْأَلْبابِ) المراد به : العقلاء الذين يعرفون العواقب ويعلمون جهات الخوف. فإذا أرادوا الإقدام على قتل أعدائهم ، وعلموا أنهم يطالبون بالقود ، صار ذلك رادعا لهم. لأنّ العاقل لا يريد إتلاف غيره بإتلاف نفسه. فإذا خاف ذلك كان خوفه سببا للكفّ والامتناع ..! إلا أنّ هذا الخوف إنما يتولّد من الفكر الذي ذكرناه ، ممّن له عقل يهديه إلى هذا الفكر. فمن لا عقل له يهديه إلى هذا الفكر ، لا يحصل له هذا الخوف ..! فلهذا السبب خصّ الله سبحانه بهذا الخطاب أولي الألباب ، ثمّ علّل ذلك بقوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي : الله تعالى بالانقياد لما شرع ، فتتحامون القتل.
القول في تأويل قوله تعالى :
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (١٨٠)
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ) أي : فرض ، كما استفاض في الشرع (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي أمارته وهو المرض المخوف (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) أي مالا ينبغي أن يوصي فيه ، وقد أطلق في القرآن الخير وأريد به المال في آيات كثيرة : منها هذه ، ومنها قوله : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر) [البقرة : ٢٧٢] ، ومنها : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات : ٨] ، ومنها : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص : ٢٤]. إلى غيرها. وإنما سمّى المال خيرا تنبيها على معنى لطيف : وهو أنّ المال الذي يحسن الوصية به ما كان مجموعا من وجه محمود ..! كما أنّ في التسمية إشارة إلى كثرته ، كما قال بعضهم : لا يقال للمال خير حتى يكون كثيرا ومن مكان طيّب ..! وقد روى ابن أبي حاتم عن هشام بن عروة عن أبيه : أنّ عليّا رضي الله عنه دخل على رجل من قومه يعوده ، فقال له : أوصي؟ فقال له عليّ : إنما قال الله (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ). إنما تركت شيئا يسيرا فاتركه لولدك.! وروى الحاكم عن ابن عباس : من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا! وقال طاوس : لم يترك خيرا من لم يترك ثمانين دينارا. وقال قتادة : كان يقال : ألفا فما فوقها.