القول في تأويل قوله تعالى :
(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢٥٢)
(تِلْكَ) ، أي المذكورات من إماتة الألوف وإحيائهم وتمليك طالوت وإتيان التابوت وانهزام جالوت وقتل داود إياه وتملكه (آياتُ اللهِ) إذ هي أخبار غيوب تدل على كمال قدرته سبحانه وحكمته ولطفه (نَتْلُوها عَلَيْكَ) ، أي ننزل عليك جبريل بها (بِالْحَقِ) ، أي اليقين الذي لا يرتاب فيه (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) بما دلت عليه هذه الآيات من علمك بها من غير معلم من البشر ، ثم بإعجازها الباقي على مدى الدهر. وفي هذه القصص معتبر لهذه الأمة في احتمال الشدائد في الجهاد كما احتملها المؤمنون في الأمم المتقدمة. كما أن فيها تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم من الكفار والمنافقين. فكأنه قيل : قد عرفت بهذه الآيات ما جرى على الأنبياء عليهمالسلام في بني إسرائيل من الخلاف عليهم والرد لقولهم. فلا يعظمن عليك كفر من كفر بك وخلاف من خالف عليك لأنك مثلهم. وإنما بعث الكل لتأدية الرسالة ولامتثال الأمر على سبيل الاختيار والطوع ، لا على سبيل الإكراه. فلا عتب عليك في خلافهم وكفرهم. والوبال في ذلك يرجع عليهم ؛ وقوله (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) كالتنبيه على ذلك. أشار له الرازيّ.
قال البقاعيّ : ولعل ختام قصص بني إسرائيل بهذه القصة ، لما فيها للنبيّ صلىاللهعليهوسلم من واضح الدلالة على صحة رسالته. لأنه مما لا يعلمه إلا القليل من حذاق علماء بني إسرائيل.
قلت : يرحم الله البقاعيّ فإنه لم يطلع على هذه القصة من التوراة مع أنها مسوقة في الأصحاح السابع عشر من سفر صموئيل الأول ونصّه :
(١) وجمع الفلسطينيون جيوشهم للحرب فاجتمعوا في سوكوه التي ليهوذا ونزلوا بين سوكوه وعريقة في أفس دمّيم. (٢) واجتمع شاول ورجال إسرائيل ونزلوا في وادي البطم واصطفوا للحرب للقاء الفلسطينيين. (٣) وكان الفلسطينيون وقوفا على جبل من هنا وإسرائيل وقوفا على جبل من هناك والوادي بينهم. (٤) فخرج رجل مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه جليات من جتّ طوله ست أذرع وشبر. (٥) وعلى رأسه خوذة من نحاس وكان لابسا درعا حرشفيّا ووزن الدرع خمسة آلاف شاقل نحاس. (٦) وجرموقا نحاس على رجليه ومزراق نحاس بين كتفيه. (٧) وقناة رمحه كنول النسّاجين وسنان رمحه ست مائة شاقل حديد وحامل الترس كان يمشي