دخل فيه على بيّنة. ومن عمي قلبه فإنه لا يفيده الدخول فيه مكرها مقسورا : فالنفي بمعنى النهي.
وهو ما ذهب إليه في تأويل الآية كثير. وذهب آخرون إلى أنه خبر محض. أي أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر وإنما بناه على التمكين والاختيار. قال القفال ـ موضحا له ـ لما بيّن تعالى دلائل التوحيد بيانا شافيا قاطعا للعذر ، أخبر بعد ذلك أنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر. إلا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه. وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء. إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان. ونظير هذه الآية قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩]. وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩]. وقوله تعالى : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٣ ـ ٤].
تنبيه :
علم من هذه الآية أن سيف الجهاد المشروع في الإسلام والذي لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر لم يستعمل للإكراه على الدخول في الدين. ولكن لحماية الدعوة إلى الدين والإذعان لسلطانه وحكمه العدل.
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) أي بالشيطان. أي بما يدعو إليه من عبادة الأوثان (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) أي فقد تمسك من الدين بأقوى سبب. وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم. هي في نفسها محكمة مبرمة قوية. وربطها قويّ شديد. وجملة (لا انفصام لها) إما استئناف مقرر لما قبلها ، وإما حال من (العروة) والعامل (استمسك) أو من الضمير المستتر في (الوثقى) وإما صلة لموصول محذوف أي (التي). نقله الرازيّ.
وقد روى الشيخان عن عبد الله بن سلام قال : رأيت رؤيا على عهد محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأيت كأني في روضة خضراء وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء. في أعلاه عروة. فقيل لي : اصعد عليه. فقلت : لا أستطيع. فجاءني منصف (أي وصيف) فرفع ثيابي من خلفي ، فقال : اصعد فصعدت حتى أخذت بالعروة. فقال : استمسك بالعروة ، فاستيقظت وإنها لفي يدي. فأتيت رسول