(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) قال المهايميّ : واذكر لتمثيل قصة المار على القرية ، في الإخراج من الظلمات إلى النور ، بالإحياء ، قصة إبراهيم.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) إنما سأل ذلك ليصير علمه عيانا (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي بلى آمنت ولكن سألت لأزداد بصيرة وسكون قلب برؤية الإحياء ، فوق سكونه بالوحي. فإنّ تظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين. وقد ذهب الجمهور إلى أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن شاكّا في إحياء الموتى قط. وإنما طلب المعاينة لما جبلت عليه النفوس البشرية من رؤية ما أخبرت عنه. ولهذا قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم (١) : «ليس الخبر كالمعاينة». وحكى ابن جرير عن طائفة من أهل العلم أنه سأل ذلك لأنه شك في قدرة الله. واستدلوا بما صح عنه صلىاللهعليهوسلم وفي الصحيحين وغيرهما من قوله (٢) : «نحن أحقّ بالشك من إبراهيم». وبما روي عن ابن عباس أنه قال : ما في القرآن عندي آية أرجى منها. إذ رضي الله من إبراهيم قوله (بَلى). قال فهذا لما يعترض في النفوس ويوسوس به الشيطان. أخرجه عنه الحاكم في المستدرك وصححه. ورجح هذا ابن جرير بعد حكايته له.
قال ابن عطية : وهو عندي مردود. يعني قول هذه الطائفة. ثم قال : وأما قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : نحن أحق بالشك من إبراهيم ، فمعناه أنه لو كان شاكّا لكنا نحن أحق به. ونحن لا نشك فإبراهيم أحرى أن لا يشك فالحديث مبنيّ على نفي الشك عن إبراهيم. وأطال ابن عطية البحث في هذا. وأطاب.
قال القرطبيّ : ولا يجوز على الأنبياء عليهمالسلام مثل هذا الشك. وقد أخبر الله سبحانه أن أصفياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الإسراء : ٦٥]. وقال اللعين : (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص : ٨٣]. وإذا لم تكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم! وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفرقها ، وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزقها. فأراد أن يرقى من علم اليقين إلى عين اليقين.
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٢١٥.
(٢) أخرجه البخاريّ في : التفسير ، ٢ ـ سورة البقرة ، ٤٦ ـ باب (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ونصه : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).