الثاني ، يكون المفعول محذوفا. تقديره : ويثبتون أعمالهم بإخلاص النية. ويجوز أن يكون تثبيتا بمعنى (تثبّت) فيكون لازما. والمصادر قد تختلف ويقع بعضها موقع بعض. ومثله قوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨]. أي تبتلا. انتهى. وعن الشعبيّ : تثبيتا تصديقا ويقينا (كَمَثَلِ جَنَّةٍ) أي بستان (بِرَبْوَةٍ) أي : موضع مرتفع (أَصابَها وابِلٌ) مطر كثير (فَآتَتْ أُكُلَها) أي أخرجت ثمرها (ضِعْفَيْنِ) أي بالنسبة إلى غيرها من الجنان (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) وهو المطر الضعيف ، أو أخف المطر ، أو أضعفه أو الندى. ولا بد من تقدير مضاف هنا كما تقدم : إما من جانب المشبه أو المشبه به. أي ومثل نفقة الذين إلخ. أو كمثل غارس جنة إلخ. رعاية للتناسب.
قال الشهاب : وفي التشبيه وجهان : أحدهما أنه مركب ، والتشبيه لحال النفقة بحال الجنة بالربوة في كونها زاكية متكثرة المنافع عند الله كيفما كانت الحال. والثاني أن تشبيه حالهم بحال الجنة على الربوة في أن نفقتهم ، كثرت أو قلت ، زاكية زائدة في حسن حالهم. كما أن الجنة يضعّف أكلها قويّ المطر وضعيفه. وهذا أيضا تشبيه مركب. إلا أنه لوحظ الشبه فيما بين المفردات. وحاصله : أن حالهم في اتباع القلة والكثرة تضعيف الأجر. كحال الجنة في إنتاج الوابل والطل تضعيف ثمارها. ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يكون من تشبيه المفرد بالمفرد بأن تشبه حالهم بجنة مرتفعة في الحسن والبهجة. والنفقة الكثيرة والقليلة بالطل والوابل ، والأجر والثواب بالثمرات. والربوة مثلثة الراء. وأكل بضمتين ، وتسكن للتخفيف ، وبه قرئ (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تحذير عن الرياء وترغيب في الإخلاص.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢٦٦)
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) أي كبر السن. فإن الفاقة والعالة في الشيخوخة أصعب (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) صغار لا قدرة لهم على الكسب (فَأَصابَها إِعْصارٌ) أي ريح شديدة (فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) تلك الجنة وبقي صاحبها بمضيعة مع ضعفه وثقل ظهره