بالعيال وقلة المال. والمعنى تمثيل حال من يفعل الأفعال الحسنة ، ويضم إليها ما يحبطها ، كرياء وإيذاء ، في الحسرة والأسف إذا كان يوم القيامة ، واشتدت حاجته إليها وجدها محبطة بحال من هذا شأنه (كَذلِكَ) أي مثل هذا البيان (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) أي فيها. فتعتبرون بها. وروى البخاري (١) في التفسير عن عبيد بن عمير قال : قال عمر رضي الله تعالى عنه يوما لأصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم : فيم ترون هذه الآية نزلت : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ)؟ قالوا : الله أعلم ، فغضب عمر فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. قال عمر : يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس ضربت مثلا لعمل. قال عمر : أيّ عمل؟ قال ابن عباس لعمل. قال عمر لرجل غنيّ يعمل بطاعة الله عزوجل. ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي. حتى أغرق أعماله. (قال ابن كثير وهو من أفراد البخاريّ) ولابن جرير من طريق عطاء عن ابن عباس معناه : أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل الخير حتى إذا كان حين فني عمره ختم ذلك بعمل أهل الشقاء فأفسد ذلك فأحرقه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٢٦٧)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) هذا بيان لحال ما ينفق منه ، إثر بيان أصل الإنفاق وكيفيته. أي : أنفقوا من جياد ما كسبتم لقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢]. فمقتضى الإيمان الإنفاق من الجيد. لا سيما ما يطلب به رضا الله وتثبيت النفس. وفي الأمر إشعار بأنه إنما يمثل بالزرع المنبت سبع سنابل ، أو بالجنة بربوة ، ما أنفق من الجيد (وَمِمَّا) أي ومن طيبات ما (أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) من الحبوب والثمار (وَلا تَيَمَّمُوا) أي لا تقصدوا (الْخَبِيثَ) أي الرديء من أموالكم ، (مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) أي بقابليه (يعني الرديء) إذا أهدي إليكم (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) أي : إلا بأن تتسامحوا
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : التفسير ، ٢ ـ سورة البقرة ، ٤٧ ـ باب قوله (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ ...) إلى قوله : (تَتَفَكَّرُونَ).