في أخذه وتترخصوا فيه. من قولك : أغمض فلان عن بعض حقه إذا غض بصره. ويقال للبائع : أغمض. أي لا تستقص كأنك لا تبصر. كذا في الكشاف.
قال الرازيّ : الإغماض في اللغة غض البصر وإطباق جفن على جفن. والمراد هاهنا المساهلة ، وذلك لأن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عينه لئلا يرى ذلك. ثم كثر ذلك حتى جعل كل تجاوز ومساهلة في البيع وغيره إغماضا. فقوله : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) يعني لو أهدي إليكم مثل هذه الأشياء ، لما أخذتموها إلا على استحياء وإغماض. فكيف ترضون لي ما لا ترضونه لأنفسكم؟ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن إنفاقكم وإما يأمركم به لمنفعتكم (حَمِيدٌ) يجازي المحسن أفضل الجزاء. وفي الأمر بأن يعلموا ذلك ، مع ظهور علمهم به ، توبيخ على إعطاء الخبيث وإيذان بأن ذلك من آثار الجهل بشأنه تعالى. ولما رغّب تعالى في إنفاق الجيد حذّر من وسوسة الشيطان في ذلك فقال :
القول في تأويل قوله تعالى :
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢٦٨)
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) في الإنفاق (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أي يغريكم على البخل ومنع الصدقات إغراء الآمر للمأمور. والفاحش ، عند العرب ، البخيل. قال طرفة :
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي |
|
عقيلة مال الفاحش المتشدّد |
قال الحراليّ : الفحشاء كل ما اجتمعت عليه استقباحات الشرع. وأعظم مراد بها هنا البخل الذي هو أدوأ داء. لمناسبة ذكر الفقر. وعليه ينبني شر الدنيا والآخرة. ويلازمه الحرص ويتابعه الحسد ويتلاحق به الشر كله.
(وَاللهُ يَعِدُكُمْ) بالإنفاق لا سيما من الجيد (مَغْفِرَةً مِنْهُ) للذنوب (وَفَضْلاً) خلفا وثوابا في الآخرة (وَاللهُ واسِعٌ) قدرة وفضلا فيحقق ما وعدكم به من المغفرة وإخلاف ما تنفقونه (عَلِيمٌ) بصدقاتكم. فلا يضيع أجركم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢٦٩)
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) قال كثيرون : الحكمة إتقان العلم والعمل. وبعبارة