فصل
وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك في المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ، أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله كما يقول كلّ واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم ، فإنهم ، وإن أصابوا في كثير مما يقولونه ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم ، فالكلام على هذا من وجهين :
الأول ـ من قال إن هذا من المتشابه وأنه لا يفهم معناه ، ما الدليل على ذلك؟ فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ، ولا من الأئمة ، لا أحمد بن حنبل ولا غيره ، أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية ، ونفى أن يعلم أحد معناه ، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجميّ الذي لا يفهم. ولا قالوا إن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه. وإنما قالوا : كلمات لها معان صحيحة. قالوا في أحاديث الصفات : تمرّ كما جاءت ، ونهو عن تأويلات الجهمية وردّوها وأبطلوها. التي مضمونها تعطيل النصوص على ما دلت عليه. ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية ، ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها ، ويفهمون منها بعض ما دلت عليه ، كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل وغير ذلك. وأحمد قد قال : في غير أحاديث الصفات : تمر كما جاءت في أحاديث الوعد. مثل : من غشنا فليس منا (١). وأحاديث الفضائل. ومقصوده بذلك أن الحديث لا يحرف كله عن مواضعه كما يفعله من يحرفه ويسمي تحريفه تأويلا ، بالعرف المتأخر.
فتأويل هؤلاء المتأخرين عند الأئمة تحريف باطل. وكذلك نص أحمد في كتاب الرد على الزنادقة الجهمية أنهم تمسكوا بمتشابه القرآن. وتكلم أحمد على ذلك المتشابه ، وبين معناه وتفسيره بما يخالف تأويل الجهمية ، وجرى في ذلك على سنن الأئمة قبله. فهذا اتفاق من الأئمة على أنه يعلمون معنى هذا المتشابه وأنه لا يسكت عن بيانه وتفسيره. بل يبين ويفسر. فاتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه أو إلحاد في أسماء الله وآياته.
ومما يوضح لك ما وقع هنا من الاضطراب ، أن أهل السنة متفقون على إبطال
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الإيمان ، حديث ١٦٤ ونصه : عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من حمل علينا السلاح فليس منا ، ومن غشنا فليس منا».