تأويلات الجهمية ونحوهم من المنحرفين الملحدين ، والتأويل المردود هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره. فلو قيل : إن هذا هو التأويل المذكور في الآية ، وأنه لا يعلمه إلا الله ، لكان في هذا تسليم للجهمية أن للآية تأويلا يخالف دلالتها ، لكن ذلك لا يعلمه إلا الله. وليس هذا مذهب السلف والأئمة ، وإنما مذهبهم نفي هذه التأويلات وردها ، لا التوقف عنها. وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها وتمر كما جاءت دالة على المعاني. لا تحرف ولا يلحد فيها.
والدليل على أن هذا ليس بمتشابه لا يعلم معناه ، أن نقول : لا ريب أن الله سمى نفسه في القرآن بأسماء مثل الرحمن والودود والعزيز والجبار والعليم والقدير والرؤوف ونحو ذلك ، ووصف نفسه بصفات مثل سورة الإخلاص وآية الكرسيّ وأول الحديد وآخر الحشر ، وقوله : (أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، و : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، و : (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) و : (الْمُقْسِطِينَ) ، و : (الْمُحْسِنِينَ) ، وأنه : (يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ، و : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) [الزخرف : ٥٥]. (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) [محمد : ٢٨]. (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) [التوبة : ٤٦]. (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥]. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤]. (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤]. (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) [الزخرف : ٨٤]. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ١٠]. (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه : ٤٦] (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣]. (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) [المائدة : ٦٤]. (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٧]. (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف : ٢٨]. (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩]. إلى أمثال ذلك. فيقال لمن ادعى في هذا أنه متشابه لا يعلم معناه : أتقول هذا في جميع ما سمى الله ووصف به نفسه أم في البعض؟ فإن قلت هذا في الجميع كان هذا عنادا ظاهرا ، وجحد لما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام ، بل كفر صريح. فإنا نفهم من قوله : (أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، معنى. ونفهم من قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) معنى ليس هو الأول. ونفهم من قوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٥٦]. معنى ، ونفهم من قوله : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) [إبراهيم : ٤٧] ، معنى. وصبيان المسلمين ، بل وكل عاقل يفهم هذا.