فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه وما في هذه الصحيفة. فأخبر أن الفهم فيه مختلف في الأمة ، والفهم أخص من العلم والحكم ، قال الله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ ، وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) [الأنبياء : ٧٩]. وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم (١) : رب مبلّغ أوعى من سامع ، وقال (٢) : بلغوا عني ولو آية. وأيضا فالسلف من الصحابة والتابعين وسائر الأمة قد تكلموا في جميع نصوص القرآن ، آيات الصفات وغيرها ، وفسروها بما يوافق دلالتها. ورووا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أحاديث كثيرة توافق القرآن. وأئمة الصحابة في هذا أعظم من غيرهم. مثل عبد الله بن مسعود الذي كان يقول : لو أعلم أعلم بكتاب الله مني تبلغه آباط الإبل لأتيته. وعبد الله بن عباس الذي دعا له النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو حبر الأمة وترجمان القرآن ، كانا هما وأصحابهما من أعظم الصحابة والتابعين إثباتا للصفات ورواية لها عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم. ومن له خبرة بالحديث والتفسير يعرف هذا ، وما في التابعين أجل من أصحاب هذين السيدين ، بل وثالثهما في علية التابعين من جنسهم أو قريب منهم جلالة ، أصحاب زيد بن ثابت ، لكن أصحابه مع جلالتهم ليسوا مختصين به ، بل أخذوا عن غيره مثل عمر ، وابن عمر ، وابن عباس. ولو كان معاني هذه الآيات منفيا أو مسكوتا عنه ، لم يكن ربانيّو الصحابة أهل العلم بالكتاب والسنة أكثر كلاما فيه. ثم إن الصحابة نقلوا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة ، ولم يذكر أحد منهم عنه قط أنه امتنع من تفسير آية.
قال أبو عبد الرحمن السلميّ : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا : عثمان بن عفان
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في الحج ، ١٣٢ ـ باب الخطبة أيام منى. ونصه : عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : خطبنا النبيّ صلىاللهعليهوسلم يوم النحر. قال «أتدرون أي يوم هذا؟» قلنا : الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال «أليس يوم النحر؟» قلنا : بلى. قال «أي شهر هذا؟» قلنا : الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال «أليس ذو الحجة؟» قلنا : بلى. قال «أي بلد هذا؟» قلنا الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال «أليست بالبلدة الحرام؟» قلنا : بلى. قال : «فإن دماءكم وأموالكم عليّ حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم. ألا هل بلغت؟» قالوا : نعم. قال «اللهم! اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب. فرب مبلّغ أوعى من سامع. فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».
(٢) أخرجه البخاريّ في : الأنبياء ، ٥٠ ـ باب ما ذكر عن بني إسرائيل ونصه : عن عبد الله بن عمرو أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعدة من النار».