وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبيّ صلىاللهعليهوسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل. وكذلك الأئمة كانوا إذا سئلوا شيئا من ذلك لم ينفوا معناه ، بل يثبتون المعنى وينفون الكيفية. كقول مالك بن أنس لما سئل عن قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) كيف استوى؟ فقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة. وكذلك ربيعة قبله. وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول. فليس في أهل السنة من ينكره. وقد بيّن أن الاستواء معلوم ، كما أن سائر ما أخبر به معلوم ، ولكن الكيفية لا تعلم ، ولا يجوز السؤال عنها ، لا يقال : كيف استوى؟ ولم يقل مالك : الكيف معدوم ، وإنما قال : الكيف مجهول. وهذا فيه نزاع بين أصحابنا وغيرهم من أهل السنة ، غير أن أكثرهم يقولون : لا تخطر كيفيته ببال ، ولا تجري ماهيته في مقال. ومنهم من يقول : ليس له كيفية ولا ماهية. فإن قيل : معنى قوله (الاستواء معلوم) أن ورود هذا اللفظ في القرآن معلوم كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذي استأثر الله بعلمه ، قيل : هذا ضعيف ، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل ، فإن السائل قد علم أن هذا موجود في القرآن ، وقد تلا الآية ، وأيضا فلم يقل ذكر الاستواء في القرآن ، ولا إخبار الله بالاستواء ، وإنما قال : الاستواء معلوم ، فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم ، لم يخبر عن الجملة. وأيضا فإنه قال : والكيف مجهول ، ولو أراد ذلك لقال معنى الاستواء مجهول ، أو تفسير الاستواء مجهول ، أو بيان الاستواء غير معلوم ، فلم ينف إلا العلم بكيفية الاستواء ، لا العلم بنفس الاستواء ، وهذا شأن جميع ما وصف الله به نفسه. لو قال في قوله : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه : ٤٦] ، كيف يسمع وكيف يرى؟ لقلنا : السمع والرؤية معلوم ، والكيف مجهول. ولو قال : كيف كلم موسى تكليما؟ لقلنا : التكليم معلوم والكيف غير معلوم. وأيضا فإن من قال هذا من أصحابنا وغيرهم من أهل السنة يقرون بأن الله فوق العرش حقيقة ، وأن ذاته فوق ذات العرش ، لا ينكرون معنى الاستواء ، ولا يرون هذا من المتشابه الذي لا يعلم معناه بالكلية. ثم السلف متفقون على تفسيره بما هو مذهب أهل السنة. قال بعضهم : ارتفع على العرش : علا على العرش. وقال بعضهم عبارات أخرى. وهذه ثابتة عن السلف. وقد ذكر البخاريّ في صحيحه بعضها في آخره ، في (كتاب الرد على الجهمية).
وأما التأويلات المحرفة مثل استولى وغير ذلك ، فهي من التأويلات المبتدعة