العاقبة ، عاقبة الخبر عن الوعد والوعيد ، وما يؤول إليه ، على ما فسّره الشيخ ، فهم لا يبتغون الجنة والنار والقيامة وذات الرب سبحانه كما يبغيها طالب العيان ، إنما يستقبحون شيئا من الظواهر بعقولهم فيتكلفون لها معاني كثيرة يختلفون فيها ، وكل منهم يتفرد بمعنى من غير حجة صحيحة إلا مجرد الاحتمال ، وربما خالف ذلك التأويل المعلوم من الشرع فتأولوه ، وربما استلزم الوقوع في أعظم مما فروا منه ، والذي وضح لي في هذا وضوحا لا ريب فيه بحسن توفيق الله أمور :
أحدها ـ أن الكلام في ذات الله تعالى على جهة التصور والتفصيل أو على جهة الإحاطة على حد علم الله ، كلاهما باطل ، بل من المتشابه الممنوع الذي لا يعلمه إلا الله تعالى لقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه : ١١٠] ، ولقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، وإنما تتصوّر المخلوقات وما هو نحوها. ولما روي من النهي عن التفكير في ذات الله ، والأمر في التفكير في آلاء الله ، ولما اشتهر عن أمير المؤمنين عليهالسلام أن ذلك مذهبه ، حتى رواه عنه الخصوم. ومن أشهر ما حفظ عنه عليهالسلام في ذلك قوله في امتناع معرفة الله عزوجل على العقول : امتنع منها بها ، وإليها حاكمها. ومن التفكير في الله والتحكم فيه والدعوى الباطلة على العقول والتكلف لتعريفها ما لا تعرفه ، حدثت هنا البدع المتعلقة بذات الله وصفاته وأسمائه. ومن البدع في هذا الموضع بدع المشبهة على اختلاف أنواعهم ، وبدع المعطلة على اختلافهم أيضا ، فغلاتهم يعطلون الذات والصفات والأسماء. الجميع ، ومنهم الباطنية ، ودونهم الجهمية. ومن الناس من يوافقهم في بعض ذلك دون بعض. فالفريقان المشبهة والمعطلة إنما أتوا من تعاطي علم ما لا يعلمون. ولو أنهم سلكوا مسالك السلف في الإيمان بما ورد من غير تشبيه لسلموا. فقد أجمعوا على أن طريقة السلف أسلم ، ولكنهم ادعوا أن طريقة الخلف أعلم ، فطلبوا العلم من غير مظانه ، بل طلبوا علم ما لا يعلم ، فتعارضت أنظارهم العقلية ، وعارض بعضهم بعضا في الأدلة السمعية. فالمشبهة ينسبون خصومهم إلى رد آيات الصفات ويدعون فيها ما ليس من التشبيه. والمعطلة ينسبون خصومهم وسائر أئمة الإسلام جميعا إلى التشبيه ، ويدعون في تفسيره ما لا تقوم عليه حجة. والكل حرموا طريق الجمع بين الآيات والآثار ، والاقتداء بالسلف الأخيار ، والاقتصار على جليات الأبصار ، وصحاح الآثار ، وقد روى الإمام أبو طالب عليهالسلام في أماليه بإسناده من حديث زيد بن أسلم أن رجلا سأل أمير المؤمنين عليهالسلام في مسجد الكوفة فقال : يا أمير المؤمنين! هل تصف لنا ربنا فنزداد له حبا؟ فغضب عليهالسلام ونادى