الفائدة الثالثة ـ إذا كان التحسين العقليّ مع بعض السمع فهو المحكم ، والمتشابه مخالفه ، لما وضح من تأويل الخضر بموافقة العقل ، وفي مخالفة هذه القاعدة عناد بيّن وضلال كبير ، فاعرفها واعتبر مواضعها ترشد. إن شاء الله تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٨)
(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) من مقال الراسخين ، أي لا تمل قلوبنا عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ، ولا تجعلها كالذين في قلوبهم زيغ ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ، ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) تثبت بها قلوبنا (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) كثير النعم والإفضال ، جزيل العطايا والنوال. وفيه دلالة على أن الهدى والضلال من قبله تعالى. وعن عائشة رضي الله عنها (١) قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم كثيرا ما يدعو : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، قلت : يا رسول الله! ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء! فقال : ليس من قلب إلّا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ـ وهو في الصحيح والسنن.
القول في تأويل قوله تعالى :
(رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٩)
(رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) وهذا من تتمة كلام الراسخين في العلم ، وذلك لأنهم لما طلبوا من الله تعالى أن يصونهم عن الزيغ ، وأن يخصهم بالهداية والرحمة ، فكأنهم قالوا : ليس الغرض من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا ، فإنها منقضية منقرضة. وإنما الغرض الأعظم منه ، ما يتعلق بالأخرة ،
__________________
(١) أخرجه الترمذيّ في : الدعوات ، ٨٩ ـ باب حدثنا أبو موسى الأنصاريّ ونصه : عن شهر بن حوشب قال : قلت لأم سلمة ، أم المؤمنين : ما كان أكثر دعاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا كان عندك؟ قالت : كان أكثر دعائه «يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك» قالت : قلت يا رسول الله! ما أكثر دعاءك : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك! قال «يا أم سلمة! ليس آدميّ إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله. فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ» فتلا معاذ (أحد رجال السند): (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا).