(إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود : ٤٥ ـ ٤٦].
وأما المحكم فهو ما عدا المتشابه ، وغالبه النص الجليّ ، والظاهر الذي لم يعارض والمفهوم الصحيح الذي لم يعارض ، والخاص والمقيد وإن عارضهما العام والمطلق. ويلحق بهذا فوائد :
الأولى ـ الصحيح في قوله تعالى (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) الوقف على الله ، بدليل ذم مبتغي تأويل المتشابه في الآية. وهو اختيار الإمام يحيى في (الحاوي) واحتجّ بأن «أمّا» للتفصيل على بابها ، والتقدير و «أما الراسخون» بدليل قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) كما تقول : أما زيد فعالم وعمرو جاهل ، أي وأما عمرو فجاهل ، يوضحه أن المخالف مسلّم أن هذا هو الظاهر منها ، لكنه يقول : إنه يجب تأويلها على أن المراد ذمهم بابتغاء تأويله الباطل ، فيقيد إطلاق الآية بغير حجة ، ويجعلها من المتشابه ، مع أنها الفارقة بين المحكم والمتشابه ، وهذا خلف.
وقد روى الحاكم عن ابن عباس أنه قرأ «ويقول الراسخون» وقال : صحيح. ورواه الزمخشريّ في كشافه قراءة عن أبيّ وغيره ، ورواه الإمام أبو طالب في أماليه عن عليّ عليهالسلام. ولم يتأوله ولم يطعن فيه ، وهو في (النهج) أيضا ، وهو نص لا يمكن تأويله ، فإن لفظه عليهالسلام : اعلم أيها السائل أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمى تركهم التعمق ، فيما لم يكلفهم البحث عنه ، رسوخا. فاقتصر على ذلك. انتهى بحروفه.
وأيضا فلا يجب علم جميع المكلفين بذلك عند الخصوم ، إذ في المتكلفين الأميّ والعجميّ ونحوهم. وإذا كان علم البعض يكفي ويخرج الخطاب بذلك عن العبث ، جاز أن يكون ذلك البعض هو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن شاء الله من ملائكته وخواص عباده. والله سبحانه أعلم.
الفائدة الثانية ـ إذا تعارض العام والخاص ، فالمحكم هو الخاص والبناء عليه واجب ، وفيه الجمع بينهما ، وفي العكس طرح الخاص مع رجحانه بالنصوصية. وهي قاعدة كبيرة فاحفظها. ولا خلاف فيها في الاعتقاد ، لعدم القاعدة في التاريخ فيه ، ولذلك أجمعوا على إثبات الخلة للمتقين ، وتأويل نفي الخلة المطلق ، فتأمل ذلك.