عزيرا سأل الله مثل ما سأل موسى ، ثلاث مرات ، فقال الله تعالى له : أتستطيع أن تصرّ صرّة من الشّمس؟ قال : لا. قال : أفتسطيع أن تجيء بمكيال من الريح؟ قال : لا. قال : أفتسطيع أن تجيء بمثقال أو بقيراط من نور؟ قال : لا. قال : فهكذا لا تقدر على الذي سألت عنه. أما أني لا أجعل عقوبتك إلا أني أمحو اسمك من الأنبياء ، فلا تذكر فيهم. فلما بعث الله عيسى ورأى منزلته سأل عن ذلك ، كموسى. وأجيب عليه بمثل ذلك ، وقال الله تعالى : لئن لم تنته لأفعلن بك كما فعلت بصاحبك بين يديك ، فجمع عيسى من معه فقال : القدر سر الله تعالى فلا تكلفوه.
وروى الطبرانيّ عن وهب عن ابن عباس أنه سئل عن القدر؟ فقال : وجدت أطول الناس فيه حديثا أجهلهم به. وأضعفهم فيه حديثا أعلمهم به ، ووجدت الناظر فيه كالناظر في شعاع الشمس ، كلما ازداد فيه نظرا ازداد تحيرا. قلت : ويشهد لهذه الآيات ما جاء في كتاب الله من قول الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠]. والجواب الجمليّ عليهم كما مر. وأما أحاديث النهي عن الخوض في القدر فعشرة أحاديث ، رجال بعضها ثقات ، وبعضها شواهد لبعض ، كما أوضحته في (العواصم) وأقلّ من هذا مع شهادة القرآن والبرهان لذلك ، يكفي المنصف. وما حدث بسبب الخوض من الضلالات زيادة عبرة وحيرة.
الأمر الثالث ـ من المتشابه : الحروف المقطعة أوائل السور ، فإن الجهل بالمراد بها معلوم ، كالألم والصحة. والفرق بينها وبين أقيموا الصلاة ، ونحو ذلك ضروريّ. ودعوى التمكن من معرفة معانيها تستلزم جواز أن ينزل الله سورة كلها كذلك أو كتابا من كتبه الكريمة ، ويستلزم جواز أن يتخاطب العقلاء بمثل ذلك ، ويلوموا من طلب منهم بيان مقاصدهم ، ونحو ذلك. وهذا هو اختيار زيد بن عليّ عليهالسلام ، والقاسم والهادي عليهماالسلام ، وهو نص في تفسيرهما المجموع. وكذلك الإمام يحيى عليهالسلام ، ذكره في (الحاوي) وقولهم : إنا مخاطبون بها فيجب أن نفهمها ـ مقلوب. وصوابه : أن لا نفهمها فيجب أن لا نكون مخاطبين بفهمها. وقد ذكرت في الحجة على أنها غير معلومة أكثر من عشرين حجة في تكميلة ترجيح أساليب القرآن.
الأمر الرابع ـ من المتشابه : المجمل الذي لا يظهر معناه بعلم ولا ظن ، سواء كان بسبب الاشتراك في معناه ، أو لغرابته ، أو عدم صحة تفسيره في اللغة والشرع ، أو غير ذلك. فقد وقع الوهم في المجمل لنوح عليهالسلام ، كيف لغيره؟ وذلك قوله :