الذي يذكرونه ويشكرونه قريب منهم ، ومجيب لهم إذا دعوه ، ثم تمم ما بقي من أحكام الصوم.
قال الرازيّ : إنّ السؤال متى كان مبهما ، والجواب مفصّلا ، دلّ الجواب على أنّ المراد من ذلك المبهم هو ذلك المعيّن. فلما قال في الجواب (فَإِنِّي قَرِيبٌ) علمنا أنّ السؤال كان عن القرب والبعد بحسب الذات ، أي كما صرّحت به الرواية السابقة. والقريب من أسمائه تعالى الحسنى. ومعناه القريب من عبده بسماعه دعاءه ، ورؤيته تضرّعه ، وعلمه به ، كما قال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] وقال (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤] وقال (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) [المجادلة : ٧].
قال الإمام تقيّ الدين ابن تيمية ، عليه الرحمة ، في عقيدته الواسطية :
ودخل ـ فيما ذكرناه من الإيمان بالله ـ الإيمان بما أخبر الله به في كتابه ، وتواتر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأجمع عليه سلف الأمة. من أنّه سبحانه فوق سماواته على عرشه ، عليّ على خلقه. وهو معهم سبحانه أينما كانوا. يعلم ما هم عاملون. كما جمع بين ذلك في قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها ، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). وليس معنى قوله (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) أنه مختلط بالخلق ، فإنّ هذا لا توجبه اللغة. وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة. وخلاف ما فطر الله عليه الخلق. بل القمر ـ آية من آيات الله ـ من أصغر مخلوقاته ، وهو موضوع في السماء ، وهو مع المسافر أينما كان. وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه. مهيمن عليهم ، مطلع إليهم. إلى غير ذلك من معاني ربوبيته. وكلّ هذا الكلام الذي ذكره الله من أنّه فوق العرش ، وأنّه معنا ـ حقّ على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة. ودخل في ذلك : الإيمان بأنه قريب من خلقه ، كما قال تعالى (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ...) الآية. وفي الصحيح عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم (١) : إنّ الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته. وما ذكر في الكتاب والسنة ـ من قربه ومعيته ـ لا ينافي ما ذكر من علوّه وفوقيته ..! فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته. وهو عليّ في دنوّه ، قريب في علوّه ..! انتهى كلامه ، رحمهالله تعالى.
__________________
(١) أخرجه مسلم في : كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، حديث ٤٦ عن أبي موسى الأشعريّ.