التوكل هو أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة ، ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعول على عصمة الحق (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٦٠)
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) كما نصركم يوم بدر (فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) كما فعل يوم أحد (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) استفهام إنكاريّ مفيد لانتفاء الناصر ذاتا وصفة وبطريق المبالغة. وهذا تنبيه على أن الأمر كله لله ، وترغيب في الطاعة ، وفيما يستحقون به النصر من الله تعالى والتأييد. وتحذير من المعصية ، ومما يستوجبون به العقوبة بالخذلان. كذا في الكشاف. (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه ، لعلمهم أنه لا ناصر سواه ، ولأن إيمانهم يوجب ذلك ويقتضيه ـ كذا في الكشاف ـ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦١)
(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) قرئ بالبناء للمعلوم ، أي ما صح وما تأتّى لنبيّ من الأنبياء أن يخون في المغنم ، بعد مقام النبوة وعصمة الأنبياء عن جميع الرذائل ، وعن تأثير دواعي النفس والشيطان فيهم ؛ وبالبناء للمجهول ، أي ما صح أن ينسب إلى الغلول ويخوّن.
روى أبو داود والترمذيّ (١) عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) ، في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : لعل رسول الله أخذها ، فأنزل الله (وَما كانَ لِنَبِيٍّ ...) الآية. قال الترمذيّ : حسن غريب. ورواه ابن مردويه عن ابن عباس أيضا ، ولفظه : اتهم المنافقون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشيء فقد ، فأنزل الله تعالى (وَما كانَ لِنَبِيٍّ ...) الآية ـ وهذا تنزيه لمقامه صلىاللهعليهوسلم الرفيع وتنبيه على
__________________
(١) أخرجه الترمذيّ في : التفسير ، ٣ ـ سورة آل عمران ، ١٧ ـ حدثنا قتيبة.