مردويه وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : لما نزل قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥]. قالت اليهود : يا محمد! افتقر ربك فسأل عباده القرض ، فأنزل الله هذه الآية.
وروى محمد بن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال : دخل أبو بكر الصديق بيت المدراس ، فوجد من يهود ناسا كثيرة قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له (فنحاص) وكان من علمائهم وأحبارهم ، ومعه حبر يقال له (أشيع) فقال له أبو بكر : ويحك يا فنحاص! اتق الله وأسلم ، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول من عند الله ، قد جاءكم بالحق من عنده ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص : والله يا أبا بكر ، ما بنا إلى الله من حاجة من فقر ، وإنه إلينا لفقير ، ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء. ولو كان عنا غنيّا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم. ينهاكم عن الربا ، ويعطينا ، ولو كان غنيّا ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر رضي الله عنه ، فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا ، وقال : والذي نفسي بيده! لو لا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله ، فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد! أبصر ما صنع بي صاحبك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما حملك على ما صنعت يا أبا بكر؟ فقال : يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيما. يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء ، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال ، ضربت وجهه ، فجحد فنحاص ذلك وقال : ما قلت ذلك. فأنزل الله فيما قال فنحاص (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ ...) الآية ـ ولما كان مثل هذا القول ، سواء كان عن اعتقاد ، أو استهزاء بالقرآن والرسول ـ وهو الظاهر ـ لا يصدر إلا عن تمرد عظيم لكونه في غاية العظم والهول ، أشار إلى وعيده الشديد بقوله (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) أي ما قالوه من هذه العظيمة الشنعاء في صحائف الحفظة (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) إنما نظم مع ما قبله إيذانا بسوابقهم القبيحة ، وأنه ليس أول جريمة ارتكبوها ، وأن من اجترأ على قتل الأنبياء لم يستبعد منه هذا الكلام (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (١٨٢)
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتحقيرا وتصغيرا ، بسبب هتكهم حرمة الله ، وحرمة كلامه وأنبيائه المبلغين له.