لطائف
الأولى : إيراد صيغة الجمع في الآية مع كون القائل واحدا ، كما روي ، لرضا الباقين بذلك ، ونظائره في التنزيل كثيرة.
الثانية : إضافة عذاب الحريق بيانية. أي العذاب الذي هو الحريق.
الثالثة : الذوق إدراك الطعوم ، ثم اتسع فيه لإدراك سائر المحسوسات والحالات ، وذكره هاهنا لأن العذاب مرتب على قولهم الناشئ عن البخل ، والتهالك على المال ، وغالب حاجة الإنسان إليه لتحصيل المطاعم ، ومعظم بخله به للخوف من فقدانه ، ولذلك كثر ذكر الأكل مع المال ـ أفاده البيضاويّ ـ.
الرابعة : تقديم الأيدي عملها ، لأن من يعمل شيئا يقدمه ، والتعبير بالأيدي عن الأنفس من حيث أن عامة أفاعيلها إنما تزاول بهنّ ، فهو من قبيل التعبير عن الكل بالجزء الذي مدار جلّ العمل عليه.
الخامسة : إن قيل (ظلّام) صيغة مبالغة من الظلم ، تفيد الكثير ، ولا يلزم من نفى الظلم الكثير نفي الظلم القليل ، فلو قيل : بظالم ، لكان أدل على نفي الظلم قليله وكثيره. فالجواب عنه من أوجه :
أحدها ـ أن الصيغة للنسب من قبيل (بزّاز) و (عطّار) لا للمبالغة ، والمعنى لا ينسب إلى الظلم.
الثاني ـ أن (فعّالا) قد جاء. لا يراد به الكثرة ، كقول طرفة :
ولست بحلّال التّلاع مخافة |
|
ولكن متى يسترفد القوم أرفد |
لا يريد هاهنا أنه قد يحلّ التلاع قليلا ، لأن ذلك يدفعه قوله : متى يسترفد القوم أرفد. وهذا يدل على نفي البخل في كل حال ، ولأن تمام المدح لا يحصل بإرادة الكثرة.
والثالث ـ أن المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده ، وظلّام لعبيده ، فالصيغة للمبالغة كمّا لا كيفا.
الرابع ـ أنه إذا نفي الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ضرورة. لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم ، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر ، كان للظلم القليل المنفعة أترك.