الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧]. وفي هذه الآية تعزية لجميع الناس ، ووعد ووعيد للمصدق والمكذب (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي تعطون جزاء أعمالكم وافيا يوم القيامة ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. قال الزمخشريّ : فإن قلت. فهذا يوهم نفي ما يروى أن القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار! (١) قلت : كلمة التوفية تزيل هذا الوهم ، لأن المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم ، وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور.
وقال الرازيّ : بيّن تعالى أن تمام الأجر والثواب لا يصل إلى المكلف إلا يوم القيامة ، لأن كل منفعة تصل إلى المكلف في الدنيا فهي مكدرة بالغموم والهموم ، وبخوف الانقطاع والزوال ، والأجر التام والثواب الكامل إنما يصل إلى المكلف يوم القيامة ، لأن هناك يحصل السرور بلا غم ، والأمن بلا خوف ، واللذة بلا ألم ، والسعادة بلا خوف الانقطاع. وكذا القول في العقاب ، فإنه لا يحصل في الدنيا ألم خالص عن شوائب اللذة ، بل يمتزج به راحات وتخفيفات ، وإنما الألم التام الخالص الباقي هو الذي يكون يوم القيامة ، نعوذ بالله منه. (فَمَنْ زُحْزِحَ) أي أبعد (عَنِ النَّارِ) التي هي مجمع الآفات والشرور (وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ) الجامعة للّذات والسرور (فَقَدْ فازَ) أي حصل الفوز العظيم ، وهو الظفر بالبغية ، أعني النجاة من سخط الله والعذاب السرمد ، ونيل رضوان الله والنعيم المخلد. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن
__________________
(١) أخرجه الترمذيّ في : القيامة ، ٢٦ ـ باب حدثنا محمد بن أحمد بن مردويه ونصه : عن أبي سعيد قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مصلاه فرأى ناسا كأنهم يكشرون ، قال «أما إنكم لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى الموت. فأكثروا ذكر هادم اللذات ، الموت. فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه. فيقول : أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود.
فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر : مرحبا وأهلا. أما إن كنت لأحبّ من يمشي على ظهري إليّ.
فإذا وليتك اليوم وصرت إليّ ، فسترى صنيعي بك.
قال : فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة.
وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر فقال له القبر : لا مرحبا ولا أهلا. أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إليّ. فإذا وليتك اليوم وصرت إليّ ، فسترى صنيعي بك.
قال : فيلتئم عليه حتى تلتقي عليه وتختلف أضلاعه».
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأصابعه. فأدخل بعضها في جوف بعض.
قال : ويقيض الله له سبعين تنينا ، لو أن واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا.
فينهشه ويخدشه حتى يفضي به إلى الحساب.
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار».