العاص قال (١) : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة ، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه. وأخرجه مسلم أيضا (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي لذاتها (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) المتاع : ما يتمتع وينتفع به ، والغرور (بضم الغين) مصدر غره أي خدعه وأطمعه بالباطل ، وإنما وصف عيش الدنيا بذلك لما تمنّيه لذاتها من طول البقاء ، وأمل الدوام ، فتخدعه ثم تصرعه. قال بعض السلف : الدنيا متاع متروك يوشك أن يضمحل ويزول. فخذوا من هذا المتاع واعملوا فيه بطاعة الله ما استطعتم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦)
(لَتُبْلَوُنَ) أي لتختبرن (فِي أَمْوالِكُمْ) بما يصيبها من الآفات (وَأَنْفُسِكُمْ) بالقتل والأسر والجراح وما يرد عليها من أصناف المتاعب والمخاوف والشدائد. وهذا كقوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ ...) [البقرة : ١٥٥ ـ ١٥٦] ، إلى آخر الآيتين ـ أي لا بد أن يبتلي المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده. أو أهله. وفي الحديث (٢) : يبتلى
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢ / ١٦١. ونصه : عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال : انتهيت إلى عبد الله بن عمرو بن العاص وهو جالس في ظل الكعبة. فسمعته يقول : بينا نحن مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر ، إذ نزل منزلا. فمنا من يضرب خباءه ومنا من هو في جشره ومنا من ينتصل ، إذ نادى مناديه : الصلاة جامعة. قال فاجتمعنا. قال فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فخطبنا فقال : «إنه لم يكن نبيّ قبلي إلا دل أمته على ما يعلمه خيرا لهم ، ويحذرهم ما يعلمه شرّا لهم. وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها. وإن آخرها سيصيبهم بلاء شديد وأمور تنكرونها. تجيء فتن يرقق بعضها لبعض. تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي. ثم تنكشف. ثم تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه ، ثم تنكشف. فمن سره منكم أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتدركه موتته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعمه ما استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».
(٢) أخرجه الترمذيّ في : الزهد ، ٥٧ ـ باب ما جاء في الصبر على البلاء ونصه : عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله! أي الناس أشد بلاء؟ قال «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. فيبتلى الرجل على حسب دينه. فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه. فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ، ما عليه خطيئة.